علي حسن الفواز
كشف خطاب نتنياهو أمام الكونغرس الأميركي عن أزمة "السياسة الصهيونية" واندفاعها المجنون إلى هوس العدوان والكراهية، فبقطع النظر عن الطابع الاحتفائي والاستعراضي لهذا الخطاب، فإن مضمونه السوداوي كان غارقاً بالحديث عن الرهانات الخاسرة، وعن العلاقة المصيرية مع أميركا، لأن التحالف معها هو الخيار الوجودي للبقاء، وباتجاه أن تظل تاريخية كما وصفها، حدّ اكتسابها نوعاً من "التقديس" لأنها عنوان لحماية كيانهم من الآخرين، ودافع لاستمرارهم في جرائمهم وعدوانهم.
الخطاب الذي استغرق 55 دقيقة، بدا وكأنه حديث من يبرر خساراته، باحثاً عن ملاذات تساعده على تأمين تلك الحماية والإنقاذ، فما يعيشه الكيان الصهيوني من تهديدات وجودية، ومن فشل وارتباك، جعل من هذه الزيارة فرصة لعرض واقع المحنة- الشخصية والحكومية -، ولوضع العلاقة مع الولايات الأميركية في سياق مثيولوجي، عبر ربطها بتمثيل ما سمّاه بـ"تحالف إبراهام" القائم على أساس تغويل وتجميع أصحاب الشر، والبحث عن وجود آمن في المنطقة التي لم تعد آمنة.
امتناع الكثيرين عن حضور خطاب الـ"نتن ياهو" كشف من جانب آخر عن رفض واضح لهذه الزيارة، ولاستمرار جريمة الحرب الصهيونية، ولسياسة الحكومة المتطرفة في عنصريتها، فقد قاطع الخطاب أكثر من 80 نائباً من الديمقراطيين، من أبرزهم رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي، التي وصفت الخطاب بأنه "أسوأ عرض تقديمي لأي شخصية أجنبية تتم دعوتها وتكريمها بشرف مخاطبة كونغرس الولايات المتحدة"، فضلاً عن مقاطعة نواب آخرين مثل - إليزابيث وارن، والسناتور ديك دوربان، والسناتور بيرني ساندرز، والنائب جان شاكوفسكي، والنائب ألكسندريا أوكازيو كورتيز، والنائب جيم كليبيرن، والنائب إلهان عمر - وهذا مؤشر على طبيعة التناقضات التي يعيشها الكونغرس الأميركي.
لقد احتشد خطاب "نتنياهو" بكثير من المغالطات والأكاذيب وتزوير الحقائق عن جرائم العدوان الصهيوني، التي أدانتها "محكمة العدل الدولية" لاسيما ما يتعلّق بجرائم قتل المدنيين والأطفال وتدمير البنى التحتية، وحول حقيقة إيصال المساعدات إلى المحاصرين، متغافلاً عن أيّ حديث يخص "الرهائن" أو عن العمل على وقف إطلاق شامل للنار في غزة، فكلّ ما تضمنه هذا الخطاب هو الإصرار على المُضي في العدوان، وفي السيطرة على الأرض، وإقامة المستوطنات عليها رغم الرفض الدولي، وهو ما وجد قبولا لدى عدد من أعضاء الكونغرس، لاسيما من الجمهوريين، وكأنه تمهيد لدعم واضح لسياسة الكيان الصهيوني وخياراته العسكرية من قبل معسكر المرشح الرئاسي دونالد ترامب.