الحزن الكربلائي

ثقافة 2024/07/31
...

سامر المشعل 



اتسمت الأغنية العراقية بطابع الحزن والشجن العميق، بحيث تلاشت مساحات الفرح في أديم الأغنية العراقية، فحتى في المناسبات السارة والأفراح، لا يخلو غناؤنا من مسحة الحزن! لماذا توغل الحزن في غنائنا وأصبح السمة المميزة للأغنية العراقية؟

الغناء عند العراقيين ليس حالة ترفيهية وترفا اجتماعيا بهدف الاستئناس والاستمتاع وحسب، إنما يشكل الغناء حاجة روحية ونفسية للبوح والنوح معاً للتعبير عن المشاعر الانسانية وما يخامرها من ألم ووجع. التصقت بالغناء العراقي منذ فجر السلالات الحضارية في وادي الرافدين. فقد ارتبط الغناء العراقي بالمقدس، نتيجة الخوف من الآلهة ومحاولة استرضائها، وكانت الموسيقى تعزف في دور العبادة والمرافق العامة والساحات والبيوت وفي كل مكان.

هناك عوامل تاريخية تراكمت عبر تاريخ مثخن بالمآسي والآلام، نتيجة الاحتلالات والحروب والإقطاع والأوبئة. جعل الاحساس بالظلم متوغلا في حياة العراقيين، والفرح شيء عابر وسرعان ما يتلاشى، وهناك خوف دائم يتربص 

حياتهم.

إذا عدنا إلى الجزيرة العربية نجد أن الغناء نشأ من الحداء، وأول من ابتكر هذا الفن هو مضر بن نزار عندما سقط من على ظهر بعيره، وكسرت يداه، فراح ينادي متالماً " يا يداه. يا يداه "، وكان ذا صوت جميل وشجي، فأطربت الإبل إلى صوته وراحت تحث السير بسرعة وحيوية، ويقال إن الرسول محمد صلى الله عليه آله وسلم أحب فن الحداء، وكان يستخدمه في مسيره مع الإبل في الصحراء، وما زال فن الحداء موجودا ومتداولا في عدد من الدول العربية، مثل مصر والعراق 

والسعودية.

الجرح الأكبر الغائر في الضمير الانساني ووجدان العراقيين هي واقعة الطف في كربلاء واستشهاد الإمام الحسين وأهل بيته عليهم السلام بهذه الصورة المؤلمة، التي جعلت الاغنية العراقية تصطبغ بلون الفجيعة والحزن الكربلائي.

فشكلت الردات الحسينية واللطميات وطقوس العزاء الحسيني التي تظهر في شهر محرم، جانبا من شخصية المغني العراقي وترسبت هذه الأنغام في مخزونه 

الذوقي.

الجدير بالذكر أن اغلب الشعراء والملحنين والمغنين هم من الجنوب والفرات الأوسط، فهم من بيئة تشبعت وتربت ونمت على سماع واحياء الشعائر الحسينية، بل إن نسبة ليست بالقليلة كانت تمتهن القراءة في عاشوراء.

مثل الفنان قحطان العطار التي كانت أخته مهدية "ملاية" تقرأ على الإمام الحسين ( ع ) ومنها حفظ العديد من الردات الحسينية، وأخذ أساليب الأداء ونبرة الحزن المتجذرة في صوته واحساسه، وكذلك الشاعر عريان السيد خلف كانت أخته "ملاية" ايضا.. والكثير من المطربين والملحنين والشعراء خرجوا من بيوت دينية تتردد في زواياها اصوات القراء والمنشدين على الإمام الحسين (ع ) مثل الفنان داخل حسن، عبد الامير الطويرجاوي، ياس خضر، محمد جواد اموري، محسن فرحان، وجبار ونيسة.. وغيرهم. وهذا ما جعل الاغنية العراقية ملازمة للحزن والشجن العميق ومعبرة عن مشاعر الأسى كحاجة روحية ونفسية 

وإنسانية.