محمد غازي الأخرس
ثمة ندم يجب أن تشعر به الأنظمة التي تركت بنية طغيانها تتغول لتنتج مجتمعاً مشوهاً، مجتمعاً عُرضت ملامحه في "الانتظار"
لا حزن يضارع حزني على رحيل الكُتّاب الكبار، هؤلاء بالذات يكسرونني برحيلهم، ليس بسبب صعوبة تعويضهم فقط، بل لأنّهم يتركون الكثير من أرواحهم وأفكارهم فينا. وبالتالي، حين يرحلون يشعروننا باليتم. حصل هذا مع رحيل أسامة أنور عكاشة مثلما حصل اليوم مع رحيل الكاتب والسيناريست الكبير حسن سامي يوسف، الفلسطينيّ السوريّ، صاحب الروائع الدرامية التي لا تنسى، الروائع التي تميزت بحفرها الاجتماعي العميق، وتفكيك المنظومات الثقافيَّة والقيميّة التي نحن ضحاياها وأبطالها في الوقت نفسه. نعم، توفي حسن سامي يوسف عن 79 عاماً بعد رحلة طويلة مع الكتابة، رواية وقصّة ودراما. في الدراما بالذات، أثر الرجل في جيل كامل من الكتاب، عبر "شجرة النارنج"، و"ثلوج الصيف"، و"الندم" و"زمن العار"، و"الانتظار" و"الغفران" وسواها. من بين هذه الأعمال التي شاهدتها مرات عديدة مسلسل (الانتظار) ذا الأجواء الحزينة، المنتج عام 2006، أي أن العمل سبق الربيع العربي بخمس سنوات، وقد خيل لي حين رأيته في اليوتيوب أنه استشرف الربيع عبر حفره في الانهيار القيمي والخراب الاجتماعي، وهو الأمر نفسه الذي ينطبق على "زمن العار". ولئن فككت هاتان التحفتان بيئة الخراب التي تصح على كثير من مجتمعاتنا العربيّة، فإن "الندم" المصنوع عام 2016، كان استقرأ الربيع العربي من ناحية كونه انتهى إلى تعميق الخراب وليس تعميره. لهذا يبدو "الندم" من وجهة نظر حسن سامي حسن مزدوجاً؛ أولاً ثمة ندم يجب أن تشعر به الأنظمة التي تركت بنية طغيانها تتغول لتنتج مجتمعاً مشوهاً، مجتمعاً عُرضت ملامحه في "الانتظار"، وهناك ثانياً ندم يجب أن يشعر به من قام بإشعال النار في مدينة ترقد على بحر من الألغام. أي والله، إنني لحزين، حزين وأشعر بالخسارة لرحيل حسن سامي يوسف، وأدعو هنا صادقاً من لم يتابع أعماله إلى متابعتها، وليترحم له قبل ذلك.