النغم الحسيني بين جيلين

ثقافة 2024/08/07
...

 ماجد صابر

هنا قد يتبادر إلى أذهانكم أنني أتحدث من خلال العنوان عن مقام "الحسيني" وهو أحد المقامات الموسيقية الفرعية لنغم البيات وهو المقام الرئيس بسلالمه الشرقية، لكني لم أجد مصطلحاً جامعاً يعبر عن الرغبة في تجسيد واقعة الطف، وإني بهذا العنوان قد اختصرت كل مفردات الشجن والحزن في نغم شامل وهو النغم الحسيني، التي تدور حوله كل الأنغام والمقامات التي ينسجها المؤلفون والشعراء
لتكون مترجماً حقيقياً لمشاعرنا وحواسنا نحو قضية الإمام الحسين عليه السلام بطرق أدائية تؤطر بإطار موسيقي، ممتلئة بالنغم
والإيقاع.
وقد اختلف المعنيون بشأن ضرورة اشراك الآلات الموسيقية والإيقاعية من عدمها في العمل الحسيني وجميعنا يعلم أنها ذات طابع مأساوي ومؤلم، ولأنه أيضاً يتعلق الأمر برمز ديني كبير،  لذلك وضعت الخطوط الحمراء وعلينا الالتزام بها، لكن الحقيقة أننا نتعامل مع الموسيقى حرفياً من خلال نغم القصيدة وبنائها اللحني والميزان وسير النغمات والايقاع، حتى وإن لم تدخل بشكل مباشر مجموعة الآلات، فهي ضمناً تعد عملاً موسيقياً بكل مفرداته وخطواته، لكني أتساءل أيهما أقرب لهذه الأجيال لعناصر الموسيقى وتأثيرها في مجمل أعمالهم هل الجيل القديم الذي نعتبره حامل لواء التراث الحسيني الأصيل أم الجيل الجديد والمعاصر؟ الذي تغيرت طرائقه الأدائية بتغير أساليب العمل الموسيقي والغنائي وادخال عناصر الحداثة والتحديث في كل مجالات الفنون السمعية
والمرئية.
حين نتكلم عن جيل الرواديد القدامى أمثال ياسين الرميثي والرادود رسول محيي الدين النجفي والرادود حمزة الصغير والشيخ وطن وجاسم النويني وغيرهم الكثير نتكلم عن إرث حسيني عميق، أسهم هؤلاء بتوصيله إلى الجمهور بكل صدق وتجرد، فهم علامات فارقة في تناول هذه القضية بعفوية المحب والمؤمن، مبتعدين عن التشبيهات الغنائية ذات الطابع السريع وأحياناً المبهج بالرغم من توفر عنصر الشجن العالي وقد تميزت قصائدهم برتم
منضبط وإيقاع ثقيل تماشياً مع أجواء الواقعة وقد تحولت قصائدهم إلى أغان عاطفية ولكن بإيقاع أسرع، كونها تمتلك عوامل الأغنية الكاملة والمكتملة الجوانب الفنية
والشكلية.
أما الجيل الحديث والمعاصر أمثال باسم الكربلائي وملا جليل والرادود مرتضى حرب وحيدر البياتي وغيرهم من الشباب فهم نقلوا حداثة العصر وايقاعه السريع إلى القصائد الحسينية بحجة التطوير وإبراز عملية التغيير في الأسلوب والاتجاه فجاءت قصائدهم مغايرة تماماً عن النهج القديم وهي قريبة جدا إلى أجواء الموسيقى
وأحياناً تدخل الموسيقى والتأثيرات الصوتية في مسار بعض الأعمال مثلما حدث مع باسم الكربلائي وغيره من المنشدين وهي انعطافة نحو التجديد.
حين تسألني أيهما أقرب إليك من الجيلين من ناحية الصياغة وطراوة النغم وأصالته أقول أن الجيل السابق كان الأقرب إلى نفوسنا وطريقه سالك نحو قلوبنا باتجاه قضية الحسين عليه السلام وهناك فرق بين من يتاجر بهذه المأساة وبين من يعطيها بكل جوارحه دون مقابل كالفرق بين المعطاء
والشحيح.