للمرة الثانية تتكرر أحداث استهداف تخريبي لناقلات نفط عملاقة، وان اختلفت المرة الأخيرة عن الأولى في سياقات التنفيذ حيث الاستخدام المنظم لألغام بحرية وربما طوربيدات بغية تدمير ناقلتين تبحران في خليج عمان(كما نشر في الاعلام)، بينما كانت الأولى عبوات ناسفة وضعتها عناصر ضفادع بشرية على جسم ناقلتين قرب امارة الفجيرة، كما ورد في التحقيق الذي أجرته الامارات.
ان الاختلاف الواضح في مسألة الاستهداف فنياً ومكان الاستهداف بحرياً لم يلغ وجود قاسم مشترك بين هاتين الحادثتين يتعلق بالغاية المراد لها ان تتحقق بعد التنفيذ، وبأن عمل تخريبي لضفادع بشرية، وتفجير عن طريق الطوربيدات والألغام البحرية لا يمكن أن يكون قد نفذ من جهة ارهابية تقليدية، خاصة وان جميع الجهات التي امتهنت الإرهاب سبيلاً لإثارة التوتر في دائرة الصراع بالمنطقة
لا تمتلك التقنيات الفنية ولا القدرات اللوجستية التي تؤهلها لتنفيذ هكذا أعمال، الأمر الذي يرجح وجود دولة وراء التخطيط والتنفيذ. هذا وان الصراع الدائر الآن يدفع المتتبع الى الذهاب في توجيه الاتهام صوب أميركا أو إيران طرفا الصراع الذي تريد في مجاله أميركا خنق ايران، في مقابل سعي ايران الى النفاذ منه بأقل الخسائر الممكنة.
ولأن أميركا هي الأقوى، ولأنها لا تحتاج الى أسباب أو حجج لدعم توجهاتها في الحرب إذا ما اختارتها سبيلاً في الصراع، على هذا ستتجه الأنظار صوب إيران متهمة إياها في التخطيط والتنفيذ، وقد سارعت أميركا في توجيه الاتهام وايدتها دول أخرى مثل بريطانيا والسعودية وآخرين. لكن ايران اذا ما كانت هي الفاعلة فهذا يعني أنها ستنتحر، وهل يعقل منطقياً انها تتجه الى الانتحار، وهي التي ما زالت تمتلك وسائل للمناورة غير الانتحار.
ان دائرة الصراع لم تكن محصورة بين الدولتين المذكورتين، فهناك أطراف ثالثة لها مصالح في زيادة التوتر وجلب الدولتين ايران وأميركا الى حافة الحرب العسكرية المباشرة، فالسعودية على سبيل المثال لها مصلحة، وكذلك غالبية دول الخليج باستثناء قطر، حيث الرغبة في تقوية كفتها واضعاف كفة ايران في ميزان القوى، وإسرائيل هي الأخرى لها مصلحة كبرى في حرب عسكرية ستنهي في حال حصولها مشاريع ايران في صنع سلاح نووي تعده إسلامياً معادياً قد يستهدفها يوماً من الأيام. وهذه دول تمتلك جميعها وسائل فنية وأدوات استخبارية قادرة على تنفيذ أعمال تخريب وصياغة مخرجاتها على شكل تهم يسهل توجيهها الى دولة في مقابل اثارة انفعال الأخرى بقدر يسحبها باتجاه قرار الحرب. ومع هذا فالمنطقة البحرية التي حصل فيها التخريب، تحتاج المزيد من التدقيق قبل توجيه الاتهامات التي بدأت تزداد حدتها في ظروف تذكرنا بسيناريوهات حرب عام 2003، وحادث الباخرتين وأياً كان منفذوه قد قرب المنطقة من حافة الحرب خطوات.