الديكور التراثيّ للمقاهي و ذائقة الزبائن

منصة 2024/08/12
...

 بغداد: نوارة محمد 

 تماشيا مع عاصفة الحداثة ذات التأثير البصري تعتمد المقاهي و"الكافيهات" على ديكوراتها  كطريقة حديثة للفت النظر وجذب الزبائن،  وهي تتجه نحو التصاميم الكلاسيكيّة والبغدادية ذات الطابع التاريخي تعبيرا عن ثقافة سائدة، التساؤل الذي ينتابنا: هل يّعد شكل المقاهي التراثيّة وسيلة لجذب زبائن العالم الجديد؟ . يقول أحمد رضا علوان إن "هذه الأمكنة باتت تعتمد بشكل لا يمكن تفكيكه على الديكورات التي تعكس ثقافات الفضاء وهي تجسد الحالة التي تعيشها البلاد برمتها، فالمطاعم والكافيهات لم تعد مجرد مساحة لقضاء الوقت، بل أماكن هدفها الأول توفير الراحة النفسيّة للزائر وتراعي امزجة مرتاديها".

أما مهندسة الديكور رشا سالم فتعتقد أن الخروج عن قاعدة المألوف في التصاميم المعمارية والهندسة الحديثة باتت واحدة من عوامل جذب الزبائن، وكلما قّدم المقهى أو المطعم أفكاراً غريبة في فضائه، كلما ارتفعت نسبة رواج مشروعه التجاري، والغريب في الأمر أنها تعتمد على ثقافة الجماليات المأخوذة من الحنين إلى الماضي وديكوراته وتصاميمه المستوحاة من القرون السابقة، فهي تعتمد على الكراسي ذات الشكل القديم، وتقدم طعامها بأوان وصحون تعود لسنوات سابقة، وهم غالبا ما يبثون أغنيات تعود لزمن الثمانينيات والتسعينيات، أو أنها تعتمد بطريقة أو بأخرى على جماليات التشكيل في اللوحات والقطع الأثرية كالاسطوانات الموسيقية، وتلك التي لها علاقة بالمسرح والفن، وهذه كلها عناصر لجذب الزبائن الذين يعدون تصاميم الأماكن أهم عنصر لارتيادها، وهو قد يكون أهم حتى من جودة ونوعية ما تقدمه هذه المحال التجارية.  

وتتابع أن "الأمر لم يتوقف في العودة إلى الماضي فقط، فبعض الكافيهات تعتمد على أسلوب الديكورات الغربية، أو البوهيمية، أو حتى الشاميه وبذلك تضمن رواج مشاريعها التجارية، فالزبون يبحث عن كل ما هو غريب وخارج عن المألوف".

وتؤكد سالم أيضا أن "الاهتمام بالإضاءة ركيزة أساسية للديكور الداخلي وهو ما يحتاج إلى جهود أخرى لا يستهان بها، فأغلب الكافيهات تعتمد إضاءة خافتة وبألوان فاتحة، مع مراعاة توفير شروط أخرى في زوايا تقديم الطعام، وأن تكون الإضاءة باللون الأحمر الدافئ لتناسب عرض المأكولات، ويمكن استخدام لمبات الكوارتز فوق منطقة الكاونترات لتوفير الوظيفة المزدوجة من إضاءة وتدفئة للأطباق". 

قد يعد البعض هذه الأماكن وسيلة ترفيهية أو موقعا لإقامة جلسات التصوير، وهو ما يدفع اغلب مستثمري هذه المشاريع، وغالبا ما يقع الاختيار على المكتبة، والكتب، لاسيما بين شباب الجيل الجديد، كما تقول نور درويش وهي كاتبة وشاعرة: من خلال تعاملي مع شريحة كبيرة من فتية الجيل الجديد في شارع "الثقافة" المتنبي، وجدت أغلبهم يرتادون هذه الأماكن للتصوير فقط، نعم إنهم يّعدوها فكرة لإقامة جلسة تصويريّة، يمكنه أن يشاركها متابعيه كدعوة للثقافة، وهذا ما دفع أصحاب المشاريع التجارية للجوء إلى المكاتب والكتب كجزء من ديكورات المقاهي، وأجد أن هذه الإضافة ذات مضامين عدة، أهمها توجيه رسالة إلى المرتادين بطبيعة هذا المكان ورقيه على اعتبار أن هذه الصورة هي الفكرة السائدة. 

ولا شك أن العديد من الناس قبل سنوات استقبلوا منظر الكتب في المقاهي على أنه ظاهرة حضاريّة محببة، لكن الأغلبية ما لبثت أن غيرت رأيها لاحقا، واكتشفت هذا الزيف البصري.  وتقول سارة علي: أنا واحدة ممن يختاروا الأماكن تبعا للديكور والجو الذي توفره الكافيهات، بغض النظر عن طبيعة الأطباق التي تقدمها، نحن نعدها مساحة للهروب من فوضى العالم الخارجي، ومساحة للتصوير والتقاط "السلفيات" أيضا، أنا أتحدث عن فكرة سادت موخرا بين شباب جيلي. 

المهندسة المعمارية فاتن عيسى الصراف فترى أننا نعيش في زمن التكنولوجيا ومنصات التواصل الاجتماعي والقصص التي تُبث عبر القصة وهذا بحد ذاته يجعل المظاهر تتغلب على الفكرة، المظهر أهم من فكرة ارتياد الأماكن، وهذه تتجسد بملاذ شبان الجيل الجديد في الكافيهات والمطاعم التي توفر لهم فرصة الاستعراض الكاذب، الذين لا يطيقون المكتبات، ويفضلون المقاهي التي تُعج فيها قرقعة الأطباق والاراكيل.