بنغلاديش والديمقراطية القاسية

قضايا عربية ودولية 2024/08/12
...

علي حسن الفواز




كشفت الأحداث الخطيرة في بنغلاديش عن  الطبيعة المعقدة للأزمة السياسية والاقتصادية التي تعيشها البلاد، وعن سوء إدارة ملفاتها، فاستقالة  رئيسة الوزراء الشيخة حسينة وهروبها إلى الهند، فتحا الباب واسعاً للحديث عن المخفي في النظام السياسي، وعن ما استشرى به من مظاهر الفساد والمحسوبية، وما يشبه الاستبداد السياسي العنيف الذي فرضته مؤسسات الأمن، والذي بدا فاضحاً بعد الأحداث الأخيرة، ومارافقها من عنف، ومن إجراءات فرضتها الشيخة،  عبر إعلان حالة الطوارئ، واإغلاق المدارس والجامعات وفرض السيطرة العسكرية على عدد من المدن البنغالية.. تفجّر الوضع الأمني ليس بعيداً عن تفجّر الوضع الاقتصادي، وعن ضغط المطالب الشعبية، وتفاقم قضية التوزيع غير العادل للحصص الخاصة بالوظائف العامة، وهو ما دفع للقيام بتلك التظاهرات، التي امتدت إلى  إغلاق الطرق العامة، وخطوط السكك الحديدية، وقطع "الإنترنت" وحرق عدد من مراكز الشرطة والمباني الرسمية،  ومقر التلفزيون، وصولاً الدخول إلى مؤسسات مجلس الوزراء.فرضت هذه التظاهرات الغاضبة التي قادها طلّاب الجامعات، واقعاً سياسياً جديداً، لكنه مضطرب، ومثير للجدل حول طبيعة ما سيحدث من تغيّرات سياسية وحزبية.  فالشيخة حسينة التي ظلت تحكم البلاد طوال أكثر من خمسة عشر عاماً، كرست عبر سلطتها  نفوذاً لجماعات الحرس القديم، ورغم أن صعودها السياسي ارتبط بنوع من "الديمقراطية القاسية" إلّا أن رفضها القيام بأي إجراءات إصلاحية، تسبب عن تفاقم المزيد من المشكلات والصراعات، انتهت بالتظاهرات الواسعة المطالبة باستقالتها، والتي قابلتها الشرطة بعنف مفرط، تسبب بقُتل أكثر من 200 قتيل من المواطنين..لم تشأ حكومة الشيخة حسينة أن تدرك خطورة تفاقم هذا العنف، وتداعياته على الواقع السياسي والاقتصادي، فارتفاع نسب البطالة بين أوساط الشباب، ورفضها لمطالب المعارضة، وقمع حريات الصحافة، وسجن بعض الصحفيين، جعل من حكومتها تتحرك على "سطح صفيح ساخن" رفض معه المتظاهرون إدارة عسكرية انتقالية، مع بقاء الأوضاع متوترة، وهو ما أعاد إلى الأذهان الصراع السياسي القديم، مع غريمتها التقليدية خالدة ضياء، وصور الرفض الدائم لنتائج الانتخابات التي يفوز فيها حزبها "رابطة عوامي" بأكبر عدد من مقاعد البرلمان البنغالي..

ما تركته استقالة الشيخة حسينة و" لجوئها إلى الهند" من فراغ دستوري وضع البلاد أمام تحديات كبيرة، وأمام أفق مفتوح لتغيير قواعد اللعبة السياسية، وإمكانية فوز أحزاب المعارضة بالانتخابات المقبلة، وهو ما يعني البحث عن توصيف آخر للديمقراطية القاسية التي اعتمدتها الشيخة في إدارة حكمها خلال عقد ونصف.