وجوه فؤاد دحدوح المجبولة بالانتظار

ثقافة 2024/08/13
...

 أحمد عساف

شكّل معرض التشكيلي د. فؤاد دحدوح الذي افتتح مؤخراً في المركز الوطني للفنون البصريَّة في دمشق حدثاً فنياً وثقافياً بارزا.
ضمَّ المعرض تسع لوحات، ثمانية منها متفاوتة الأحجام، والتاسعة كبيرة شكّلت العمود الفقري للمعرض المتميز.  
وعن لوحته الجداريَّة قال عميد كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق الفنان فؤاد دحدوح: اللوحة هي جداريَّة، حجمها سبعة أمتار ونصف المتر، نفذتها بخمسة أجزاء ليتم نقلها بسهولة من مكان إلى آخر، أما فكرة العمل فقد استوحيتها من غوطة دمشق أيام زمان. حين كانت السعادة والبهجة تغمر قلوب الناس، فيبنون طقوسا للفرح والحبور في الغوطة.
بعد سنوات الحرب القاسية والحزينة التي مرت على سورية، حاولت قدر المستطاع توظيف ألوان زاهية على وجه الخصوص في هذه اللوحة، في محاولة منّي لإعادة ولو القليل من السعادة والفرح إلى قلوب الناس الحزانى. ومن ثمّ فإنّ هذه اللوحة هي ملحميَّة تحمل أبعاداً كبيرة، وتأويلات وتفسيرات عديدة. شعرت عندما نفذتها أنَّ هناك نوعاً من المخاطرة في ردود الأفعال لدى المتلقي بين الإيجابية والسلبية، في أن يتم ضبط مثل هذا العمل الكبير، خاصة أن الأمكنة التي نعمل فيها صغيرة. على العموم هذه اللوحة بالنهاية تنتصر للفرح، وهذا ما أردته منها.
وعن مستقبل هذه اللوحة تابع قائلاً: ستنقل هذه اللوحة بعد انتهاء المعرض ليتم عرضها في القاهرة أو في دبي.
في حالة تأمل طويلة بدت هذه الجداريَّة وكأنَّها مرسال غرام كان قد فقد الفرح في أتون الحرب، فأيقظه الحب وطلب منه أن يكون مرسال فرحٍ لأناس عذّبهم الحزن طويلاً، فكانت هذه الجداريَّة التحفة، أجمل مكتوب غرام.
اللوحة الكبيرة، هي حالة تعبيريَّة تمَّ رسمها عبر خمسة أجزاء في بدء تكوينها الأولي، وفي عرضها النهائي، ولكنها تبدو في كليتها تواؤم متلاصقة مشغولة بكثيرٍ من التعب والشغف، ومن الهارموني اللوني الذي يتناغم مع ذاته بكثيرٍ من التوازن من دون الوقوع في متاهة السطح الكبير جداً لفضاء العمل.
وعلى الرغم من كبر حجم هذه اللوحة، تمكن بل نجح دحدوح في أن يخلق جداريَّة متوازنة، تستوقفك طويلاً أمام فنيتها وابتكارها المدهش في زمن نكاد نفقد فيه الدهشة.  
قد يبدو هنا وهناك ثمة ابتعاد لوني عن وجه ما في اللوحة، لكن عند الغوص عميقاً سنجد ارتداداً ايجابياً للوجه اتجاه اللون، لتعود إلى إيقاع تكوينها ونهايتها ومقولاتها، وفي فترات أخرى يتنافر قليلاً ليعود وينسجم بكثيرٍ من الحب ثانية.
العمل يكاد يكون ملحمة سورية، هو مزدحم بشخصيات طغى عليها حضور المرأة في العديد من الأشكال والحالات والألوان، قدمها دحدوح بأسلوب تعبيري يمتزج بنكهة انطباعيَّة، استعمل فيها اختزالات روحانيَّة توحّدت تماماً مع حالات إنسانيّة ووجدانيّة
 متنوّعة.
وفي هذا المعرض وجدنا إلى جانب هذه الجداريّة ثمانية لوحات، متفاوتة الأحجام لم تحمل عناوين كما درجت العادة، بل تركها الفنان هي التي تجد لذاتها عناوينها عند
متلقيها.
لعّل اللافت هنا أن نجد، تلك الحالة التي تدعو لإشراك المتلقي بذائقته البصريّة والمعرفيّة والإنسانيّة، لأن يكون شريكاً للفنان في وضع عناوين الأعمال، وهو ما يثبت أن المتلقي الذكي شريكٌ للمبدع في أيِّ جنسٍ إبداعي.
المرأة كانت هي المحور الأساس، والتيمة التي شكلت توأم روح وبنيان اللوحات المعروضة، فيها من الاشتغال الكثير على نبض اللون وتدرّجاته وتداخلاته وانسجامه مع فكر ومضمون اللوحة، وروح الوجه الأنثوي الطافح بالتعبيريَّة، والمسكون بهواجس وإرهاصات، عبر رموز تبدو وكأنَّها قناديل شاحبة في زمن انتظار حزين في عتمة أرصفة الحياة. حيث الوجوه المكتظة بالوجوم وبالقهر والحزن الخصيب كحالة متفرّدة، وفي الكثير منها ثمّة وجوه تدعو للسير في طريق الأمل وتسمو للفرح المرتجى وبكثير من المحبة.  
المتابع لتجربة الفنان فؤاد دحدوح يعرف أنَّ وجوه شخصيات لوحاته، في كليتها ومعظمها مجبولة بالحزن، وبقسوة الانتظار وقهر السنين، لا سيما التي مرت عليها سنوات الحرب، فهي وجوه مزدحمة بحلاوة لظى الانتظار المرِّ على مفترق الحنين.
ولد الفنان الدكتور فؤاد دحدوح في دمشق 1956 تخرّج في كلية الفنون الجميلة بدمشق قسم النحت عام 1981، ونال دبلوم المدرسة الوطنية العليا في فرنسا عام 1984، وماجستير المدرسة الوطنية العليا في بولونيا عام 1987 ودكتوراه في مجال الميدالية قسم العلوم الإنسانية في بولونيا عام 1993.