ترجمة: نجاح الجبيلي
"وعرفتُ أنني قُتلت
وبحثوا عن جثتي
في المقاهي والمدافن والكنائس
فتحوا البراميل والخزائن
سرقوا ثلاث جثثٍ
ونزعوا أسنانها الذهبيَّة
ولكنَّهم لم يجدوني قط".
تنبّأ غارسيا لوركا عبر هذا النص بموته، فقد قُتل بالرصاص على يد مسلحي القوميّة في 19 أغسطس 1936، وتحديداً بعد نشوب الحرب الأهليّة الإسبانيّة.
يذكر المؤلف إيان جيبسون في كتابه "اغتيال غارسيا لوركا" أنّه تمَّ إطلاق النار عليه مع ثلاثة آخرين في مكان يُعرف باسم "فوينتي غراندي" والذي يقع في الطريق بين قريتي فيثنار وألفقار. خلصت تقارير الشرطة الصادرة في نيسان 2015، إلى أنّ لوركا أُعدم على يد القوات الفاشية.
شهد القرنان العشرون والحادي والعشرون، العديد من المحاولات الفاشلة لتحديد مكان رفات "فديريكو غارسيا لوركا". وكان أول محاولة جرى وصفها في كتاب صدر عام 1949 للبريطاني من أصل إسباني "جيرالد برينان"، بعنوان "وجه إسبانيا".
يقول برينان: "نعم، هذه هي البايثين كما كانت في الماضي ـ ولكن لماذا بدت متغيرة ومختلفة إلى هذا الحد؟، وبينما كنت جالساً أستمع إلى صياح الديك، جاءتني الإجابة. "هذه مدينة قتلت شاعرها" وفجأة خطر ببالي فكرة مفادها أنّني سأزور قبر "غارسيا لوركا، إذا تمكّنت من العثور عليه، وأضع إكليلاً من
الزهور".
ويدور الحوار في المقبرة:
المؤلف برينان: الشخص الذي أبحث عنه ليس هنا. ربما يمكنك أن تخبرني أين دفن. اسمه فيديريكو غارسيا لوركا.
الحفّار: هذا اسم مشهور. هناك الكثير من الحديث عنه.. إنه مشهور في جميع أنحاء العالم. تقرأ قصائده من بوينس آيرس إلى نيويورك ولندن. وقد تُرجمت بعضها إلى اللغة الإنجليزية.
برينان: هذا الرجل الذي أبحث عن قبره كان صديقي. عندما كنت أعيش في
غرناطة منذ سنوات عديدة، كنت أعرفه.
الحفّار: آه، هذا يحدث فرقًا. ومع ذلك يجب أن أخبرك أنك أتيت إلى المكان الخطأ. إنه ليس هنا.
بحلول القرن الحادي والعشرين، أتاح التقدم التكنولوجي مجالًا للتعرّف على رفات ضحايا القمع في أثناء حكم فرانكو. شهد عام 2000 تأسيس "جمعية استعادة الذاكرة التاريخيَّة"، التي انبثقت عن سعي عالم الاجتماع "إميليو سيلفا باريرا" لتحديد موقع رفات جده والتعرّف عليها، والذي أطلقت عليه قوات فرانكو النار في عام 1936.
كانت هناك ثلاثة مساعٍ في القرن الحادي والعشرين لتحديد مكان جثة "غارسيا لوركا". المسعى الأول، في عام 2009، في حديقة "غارسيا لوركا" التذكاريَّة؛ والثانية عام 2014، على بعد أقل من كيلومتر من الحفرية الأولى، والأخيرة عام 2016 في منطقة ألفقار.
وفي عام 2008، فتح قاضٍ إسباني تحقيقًا في وفاة "غارسيا لوركا". تنازلت عائلة لوركا عن اعتراضها على حفر مقبرة محتملة بالقرب من ألفقار، ولكن لم يتم العثور على بقايا بشريَّة. وجرى التخلي عن التحقيق في النهاية، وبدأ تحقيق آخر في عام 2016، لكنه لم يلقَ المزيد من النجاح.
في أواخر تشرين الأول 2009، بدأ فريق من علماء الآثار والمؤرخين من جامعة غرناطة أعمال التنقيب خارج ألفقار. تم التعرف على الموقع قبل ثلاثة عقود من قبل رجل قال إنه ساعد في حفر قبر لوركا.
يُعتقد أن لوركا قد دُفن مع ثلاثة رجال آخرين على الأقل بجانب طريق جبلي متعرج يربط بين قريتي فيثنار وألفقار.
بدأت أعمال التنقيب بناءً على طلب عائلة ضحية أخرى. وبعد اعتراض طويل الأمد، أعطت عائلة لوركا الإذن أيضاً. في تشرين الأول 2009، قال المتحدث باسم وزارة العدل في الحكومة الإقليمية الأندلسية "فرانسيسكو إسبينولا"، إنه بعد سنوات من الضغط، سيتم استخراج جثة لوركا في غضون أسابيع.
أقارب لوركا، الذين عارضوا في البداية عملية حفر القبر، قالوا إنهم "قد يقدمون عينة من الحمض النووي للتعرف على رفاته". وفي أواخر تشرين الثاني 2009، وبعد أسبوعين من التنقيب في الموقع، عُثر على مواد عضوية يعتقد أنها عظام بشرية. تم نقل الرفات إلى جامعة غرناطة لفحصها. لكن في منتصف كانون الأول 2009، أثيرت الشكوك حول إمكانية العثور على رفات الشاعر. وقالت وزيرة العدل في الأندلس "بيخونيا ألباريز"، إن الحفريات "لم تسفر عن عظام أو قطعة ملابس أو رصاصة واحدة". وأضافت "كان عمق التربة 40 سم فقط، مما يجعلها ضحلة جداً بحيث لا تكفي للقبر". كلفت عملية التنقيب الفاشلة 70 ألف يورو.
في كانون الثاني 2012، تقدم المؤرخ المحلي، ميغيل كاباييرو بيريث، مؤلف كتاب "آخر 13 ساعة من غارسيا لوركا"، بطلب للحصول على إذن للتنقيب في منطقة أخرى على بعد أقل من نصف كيلومتر من الموقع، حيث يعتقد أن رفات لوركا موجودة.
لم يتم إثبات ادعاءات ستيفن روبرتس، الأستاذ المشارك في الأدب الإسباني بجامعة نوتنغهام، وآخرين، في عام 2016، بأن جثة الشاعر دُفنت في بئر في قرية ألفقار.
في عام 2021، أفيد أنه سيكون هناك تحقيق في المقابر الجماعية في بارانكو دي فيثنار "منطقة قريبة من فيثنار حيث يوجد نصب تذكاري للوركا". وقد حظي هذا المشروع بدعم الأسر التي اعتقدت أن أقاربها دفنوا هناك. وأوضح عالم الآثار الذي أشرف على التحقيق أن الشاعر لم يكن سوى واحد من مئات الأشخاص الذين قد تكون رفاتهم موجودة هناك. وكانت الحفريات في الموقع لا تزال مستمرة حتى السنة الحالية 2024.