الوصية الرائعة

اسرة ومجتمع 2019/06/17
...

حسين الصدر 
- 1 -
 
اذا كان الرسول الاعظم محمد (ص) قد بُعث ليُتمم مكارم الاخلاق ، فانّ من الطبيعي ان يدُلى بوصاياه ، سواء كانت بطلب ممن يُريدها أو بمبادرة خاصة منه (ص) .
 
- 2 -
ومن الواضح انَّ وصايا الرسول (ص) تكتسب أهمية استثنائية لانه يُسلّط الأضواء على أهم القضايا والمسائل التي تثري المسار الانساني في جميع جوانبه .
 
- 3 -
والوصية إنْ كانت موجهةً الى انسان معيّن فانها لا تبقى محصورة في نطاق شخصي ذلك (ان المورد لا يخصص الوارد) كما يقولون، فالوصية الموجهة الى أبي ذر (رض) يمكن اعتبارها موجهة لكل المسلمين باعتبارها وصية نَبِيّهم ، لابل يمكن اعتبارهم وصيةً لكل الناس لأنه (ص) بعث الى البشرية كافة بشيراً ونذيراً وهاديا ومرشدا ومنقذا ومخرجا لهم من الظلمات الى النور .
 
- 4 -
وروي عن ابي ذر – رضوان الله عليه – انه قال :
أوصاني خليلي رسول الله (ص) بسبع :
أوصاني انّ انظر الى مَنْ هو دوني ،
ولا أنظر الى من هو فوقي 
وأوصاني بحُبّ المساكين والدنو منهم 
وأوصاني أن أقول الحق وان كان مرّا 
وأوصاني ان اصل رحمي وإنْ ادبرت 
وأوصاني ان لا اخاف في الله لومة لائم 
وأوصاني ان استكثر من قول :
 “ولا حول ولا قوة الاّ بالله العليّ العظيم “ فانها من كنوز الجنة 
سفينة البحار / ج9 / 498 
وهذه من الوصايا الجامعة المشتملة على أبعاد تربوية واجتماعية ونفسية وعبادية ، الأمر الذي جعلها من الوصايا التي تشرأب لها النفوس وتهفو للاستماع اليها القلوب قبل الآذان ...
 
- 5 -
أنت حين تنظر الى الملايين من البشر في الهند ، وهم لا يحصلون في اليوم والليلة الاّ على وجبة واحدة لسد الرمق تكفل استمرار بقائهم على قيد الحياة ، تُدرك حجم النعم الالهية التي أسبغها عليك ربُّك ، فأنت على كل حال قادرٌ على تناول وجبات الطعام ثلاث مرات في اليوم والليلة وحينئذ تنشط لحمد الله وشكره على نعمه . ولكنّك اذا نظرت الى أصحاب الشركات الكبرى ، وما يملكون من ثروات وامكانات اعتبرت نفسك بالنسبة اليهم محروماً مأزوما ...
وعندها تغمرك الآهات والحسرات وهذا ما لايريده لك الهادي (ص) 
فانظر – على مدى الايام – الى من هو دونك لتجدد الشكر لربك على فيض عطائه ، وعظيم نعمائه . ولا تنظر الى من هو فوقك لئلا يتسرب الى نفسك شيء من القنوط والاحباط ...
 
- 6 -
ان العيش في الأبراج العاجية ، بعيداً عن هموم البائسين والمساكين والمستضعفين ...، يجعلك من أصحاب القلوب الغليظة التي لا تعنى بالهموم والآلام التي يرزح تحت وطأتها الفقراء . 
وفي هذا خدش لانسانيتك التي لا تُتَوج الاّ بالقلب الذي يسع الجميع ، ويسعى لاغاثة المكروبين ، وانعاش المستضعفين واطفاء نيران الحاجة عند المحرومين .
وحين تتعمق الصلة بينك وبين هذه الشريحة البائسة ، وتزدان بالبذل والعطاء والايثار ، تتبلور معالم شخصيتك الانسانية الرسالية ، وتكون رقماً نافعاً من أرقام المجتمع .. فيعلو شأنك ويكثر أحباؤك ، مضافا الى ما يّدخر لك من الحسنات والمثوبات في يوم الجزاء .
 
-7-
انّ الفارق بين رجال المبادئ ورجال المصالح لكبير .
ورجال المبادئ هم الذين لا يخشون في الله لومة لائم ..
وهم الذين لا يحيدون عن قول الحق والعمل به 
وبهذا يفوزون وفقَ الموازين كلها دنيوية واخروية .
 
- 8 -
 
واذا كان الانسان اجتماعيا بالطبع فهل يصح أنْ ينفتح على الناس وينغلق على أهله وأرحامه ؟
ان هذا التحجر قبيح ذميم وأولى الناس ببرك هم أرحامك وأهلك ، ولا يعني ذلك اهمال الآخرين .
وقد يُعرض عنك بعض الأرحام ويقطعك ، فيبوء بالأثم
فلا تكن نظيره في القطيعة الذميمة وبادر الى صلته بالنحو المناسب الذي ينجيك من مغبة القطيعة الأثيمة .
ويزين لك الشيطان القطيعة ، ويدفعك نحوّها ويقول لك :
ولماذا تكسر نفسك وتذلها لهذا القريب العاق ؟
فَأَرْغِم أنفَ الشيطان بالمبادرة الكريمة الى صلة هذا الرحم القاطع ، وكن أنت البادئ بالصلة والاحسان ، وابدل أشواك القطيعة بورود الصلة وأزاهيرها وأرفل بالرضوان ..
 
- 9 -
الأذكار المستحبة كثيرة ولكنّ قولك ( ولا حول ولا قوة الاّ بالله العلي العظيم ) يجعلك متطلعاً الى الله في كل أمورك ، عميق الصلة بالرب العظيم القادر على أنْ يمدك بكل أسباب القوة والنجاح .
فأنت ضعيف بدونه، ولا تقوى على مواجهة الصعاب والتحديات، والصلة العميقة بالله تذلل لك الصعاب وتحقق الرغاب .