أقلام الخطّ العربيّ..مديات وحرفة

منصة 2024/08/15
...

 مرتضى الجصاني

صدفة عندما عثرت في إحدى صفحات التواصل الاجتماعي على صانع الأقلام مصطفى الشهابي، وهو خطاط وصانع أقلام، خطر ببالي مقولة «ما أعجب شأن القلم، يشرب ظلمة ويلفظ نورا». لقد انتابني شعور بالجمال والفخامة وأنا أشاهد أقلامه المصنوعة من الأخشاب ومعادن نبيلة تأخذ العقل في بريق ألوانها وملمسها، دفعني شغفي بالصناعات اليدوية إلى تفحص وتأمل أشكال الأقلام وتفاصيلها، خصوصاً ونحن أمام صناعة نادرة وثمينة بالوقت نفسه .
هذه الصناعة تحتاج إلى جهد كبير وذوق فني عال وخبرة في التعامل مع الأخشاب والمعادن وتطويعها وتكوين قطعة فنيّة متكاملة وعالية الجودة في الأداء والكتابة، ولأنه خطاط ويدرك ما يعيق الخط أثناء الكتابة، لذا بحث عن طريقة لرفع جودة القلم، بالإضافة إلى اِكسابه جماليات تجعل القلم تحفة فنيّة. ولأن الأقلام المصنعة تتلف أثناء القص والنحت وتكون غير صالحة للكتابة دفعه ذلك إلى صناعة القلم المعدني بشكل يدوي. ولأن الأقلام المصنوعة من القصب سريعة التلف والأقلام المعدنية الأجنبية هي مخصصة بتقنية «من مصدر الصناعة» لتستخدم للكتابة وليس للخّط العربي مما يضطر الخطاط وأثناء تجهيزها بقص الرأس لتكون صالحة للخّط بسلاسة فيطرأ عليها تغير كبير مما يفسد القلم ويشوه كتابته.
ومن هنا خطرت له فكرة القلم المعدني لأنه يقاوم وصلد وصلب أيضا، ومع بدء الطلبات من أصدقاء الشهابي لصناعة الأقلام أدرك أنه أصبح متمكناً من صناعة القلم، وراعى في ذلك تقنيات الكتابة من انسيابية الحبر ومدى سيولة الحبر أثناء سحب الحروف، وحتى مدى ملامسته للورق.
ومع كثرة التجارب تطور القلم بشكل كبير حتى باتت هذه الصناعة الأولى من نوعها عربياً، لأن الصناعة اليدوية للأقلام على مستوى العالم تكون مختصة بجسم القلم، أما رأس الكتابة فيكون صناعة جاهزة ليست يدويّة، وهناك صناعة عربيّة لأقلام الخط العربي من الخشب والقصب والريزن، وخصوصا عند الخطاطين، حيث جرت العادة عند الخطاطين أن يصنعوا أقلامهم بأنفسهم من القصب وبعض الخامات الأخرى، لكنها ليست بجودة المعدن. إن قلم الخط العربي لم يأخذ حقه من الاهتمام كأداة لها شأنها الكبير لارتباطها بتراث الأدب والفن العربي والإسلامي وتطوره بدءا من كتابة المصاحف والمنمنمات وإلى عصرنا الحالي. لقد حاول الشهابي بكل ما يتمكن من أن يعطي للقلم حقه من جودة وجمال واتقان وبصناعة عربية ينافس بجودتها وجمالها الأقلام العالمية. يستخدم الشهابي في صناعة أقلامه خامات نبيلة ولها قيمة فنيّة، ففي جسم القلم يستخدم “خشب الزيتون، الخشب البنفسجي، قرن الخروف الأشقر والأسود، الكهرمان الصناعي، خشب الجوز، خشب اللوز”.  
أما خامة الرأس فهي من معدن الكروم، لصلابته ومقاومته للصدأ، وكذلك لأنه لا يتفاعل مع الأحبار، مما يضمن جودة الرأس، كما ويدخل أيضاً بالصناعة النحاس الأصفر والأحمر والصدف الطبيعي. يبدو أن جودة صناعة الشهابي للأقلام جذبت زبائن ومتذوقين، على الرغم من أن الصناعات اليدوية عادة ما تأخذ وقتا طويلا وتحتاج لدقة وتركيز عالٍ لفترات ومراحل مختلفة من العمل،  كما وقد اهتم الشهابي بالاتقان للدرجة التي تحوله إلى لوحة فنيّة الأمر الذي يرفع من كلفة الأقلام ويجعلها أشبه بالقطع الثمينة من التحف والارابيسك والانتيك.ويعد مصطفى الشهابي من أوائل الخطاطين الذين قاموا بتطوير أقلام الخّط العربيّ وجمع بين صناعة أقلام الخّط العربيّ، وممارسة فن الخّط.