حاوره : سامر أنور الشمالي
يمثل محمد محفوظ أنموذجاً خاصاً في خريطة الفن التّشكيليّ المعاصر في سورية، وهو يسعى إلى هذا التميز بوعي الفنان الموهوب، فالرّسم لديه ليس فسحة للتعبير عن مشاعره وأفكاره وقت الحاجة، بل طريقة في العيش، لأنه لا يجد للحياة معنى من دون اللون والكلمة، عازما على تحويل الأشياء المهملة إلى أعمال خلابة.
فالفن هو حاجة إنسانية، وليس مجرد ترف بالنسبة له. فهو لا يهتم بالمدارس الفنيّة قدر اهتمامه بالجمال الذي يحاول نقله إلى المتلقي ليكتشف بدوره أن فن الرسم ليس طريقة مبتكرة في توزيع الألوان، بل طريقة في الحياة أيضا.
*المتابع لأعمالك يجد أنك في كل معرض تغير شيئا في أسلوبك. هل هذا متعمد
أم لا؟
- الإنسان في حياته العادية يمر بحالات متغيرة، فيها الفرح والحزن، وفيها الأمل ونقيضه. وعندما يجرب شيئا ما يحاول في المرة الثانية ألا يكرر الشيء نفسه، بل يكتشف شيئا من أسرار
الحياة.
هذا بالنسبة للإنسان بشكل عام. فما بالك أن تكون فنانا وتطرح فكرة ما، فهل ستكرر الفكرة نفسها؟ أم تبحث عن ما هو جديد لتغوص في أعماق الحدث وتخرج مكنوناتك الداخلية لتبصر النور بطريق وشكل وطرح مختلف ومغاير؟ من وجهة نظريّ يجب أن أقدم نفسي بشكل مختلف في كل معرض، مع العلم أن طبعي هو البحث عن الغرابة. وقد يتشكل أسلوبي بعفوية غير موجودة في حياتي أحيانا. فكل طريقة انجاز لعمل تأتي بعد تفكير عميق لتخرج بأبهى صورة
للمتلقي.
*يغلب على معظم أعمالك الوضوح، فأنت بعيد عن الابهام الشائع في الرسم المعاصر، فهل تتعمد هذا
الاتجاه؟
-أنا لا أنتهج مدرسة فنيّة محددة، وأحاول التنقل بين المدارس الفنية ولكن بأسلوبي الخاص. ولي أعمال تجريدية، وتكعيبية، وكلاسيكية. أحيانا أميل إلى الإيحاء بالألوان بمعنى التجريد للوصول إلى فكرة ما، وإن
كانت أغلب أعمالي قريبة للواقعية.
*كيف هي علاقتك مع المتلقي؟
- قد أجيب على هذا السؤال بسؤالين هما: لِمن يقام المعرض الفنيّ، وهل المعرض للمتلقين من الفنانين فقط؟ برأيي المعرض موجه لكل الناس لهذا يجب أن يكون فيه جرعات فنية لكل المستويات الثقافية والفنية لدى المشاهدين، لهذا السبب أقدم أعمالا أحرص أن أكون فيها قريبا من أكبر شريحة من المجتمع. وفي الوقت نفسه أقدم ما هو جديد بطريقة الطرح، والفكرة
أيضا.
*أنت فنان غزير الإنتاج، ألا تخشى من تكرار اللوحة نفسها بطرق عدة؟
- أنا غزير الإنتاج.. وأجد هذا ميزة لي في الوسط الفنيّ. أما أن أخشى من غزارة أعمالي فهذا غير وارد بالنسبة لي. ومن يتابع معارضي لا يجد أي عمل شبيها بالآخر. أما العناصر في الطبيعة فهي نفسها، ولكن الفرق هو طريقة معالجة الفكرة والموضوع باللون والشّكل.
* معرضك الأخير كان فيه تسعون لوحة، وهذا عدد كبير؟
- ولو كانت الصالة تتسع لعدد أكثر لكان عندي المزيد. لم أتمكن من عرض كل لوحاتي الأخيرة لضيق المكان. ويعود سبب الغزارة إلى أنني من النوع الذي لا يستطيع التخلي عن العمل ليوم واحد، واستغل وقتي في الرسم، وهو غذاء روحي.
*كنت تعمل في تدريس مادة الرسم قبل إحالتك للتقاعد والتفرغ للفن تماما. حدثنا عن ذلك؟
-كان دوامي صباحيا مع الطلبة، وكانت حصص الفنيّة خارج قاعة الدراسة، وبعيدة عن دفاتر الرسم، كانت محاكاة للطبيعة بكل عناصرها. وبعد نهاية الدوام كنت أعود إلى المدرسة بعد الظهيرة، وأتابع العمل تطوعا مني، مع مشاركة عدد من الطلبة، ولم يكن هناك أي مقابل لهذا العمل الإضافي. وكنت آنذاك في قمة السعادة، فأنا فنان ويجب أن أمارس فني الذي هو شريان دمائي.
* ترسم لوحة، وتكتب نصا بجانبها. هل الرسم لم يعد يكفي للتعبير عن الأفكار والمشاعر؟
- اعتبر نفسي فنانا، وهذا واضح من خلال دراستي الجامعية، ومن خلال حبي لفنيّ. أما لوحاتي فقريبة من الواقع، لهذا لا أعتبر أن كتابة نص هو توضيح للوحة، بل أجده عملا مميزا وجديدا، وكل لوحة من أعمالي هي جزء مني، وبعد الانتهاء من رسمها أضعها أمامي وأبدأ التغزل بها كأنها معشوقتي، أسرح في عالم آخر.. أعيش بين خفايا الألوان، أغوص في أعماق عناصرها، أغيب عن الوجود، أعيش الخيال، ثم استمتع بمحاكاة لوحتي بالكلمة.
أرجو ألا يفهم الموضوع بأن الكتابة هي لتوضيح الفكرة، بل اعتبر أنها نعمة من رب العالمين وهبني إياها كي أعبر عن اللون بالكلمة والشعر.
*وجدنا لديك عناية خاصة بالإطار (البرواز) فلم نعد نرى اللوحات بالقياسات المتعارف عليها. هل تعتقد أن الإطار جزء من اللوحة؟
- إن كان القصد هو الإطار الذي يحدد اللوحة نعم. أي كتاب لا بد من غلاف له، أي قصة لا بد لها من عنوان. وأغلب إطارات أعمالي الحالية هي من مخلفات البيئة. أحببت أن أخرج من روتين الإطار المربع أو المستطيل، وأن أكسر القاعدة بشكل بيضاوي، أو دائري، وربما مثلث متعدد الوجوه. أيضا سيكون معرضي القادم فيه أعمال فنية بأحجام كبيرة المقاسات، ومؤلفة من عدة قطع. أعود للقول بأن الإطار هو مكمل للوحة بتحديد أطرافها، وليس جزءا من اللوحة، أي تبقى اللوحة لوحة بإطار أو من دون
إطار.
*لديك تجربة مميزة في استعمال الأشياء المهملة في اللوحات أو المنحوتات، حدثنا عن ذلك؟
- أعشق الخوض في استكشاف الطبيعة والاستفادة من الأشياء المهملة بنظر المجتمع. أعشق أن أعيد الروح للنفايات المرمية على قارعة الطريق، أتعامل مع المواد المستهلكة بتركيز وأحاول أن أقدمها بأجمل صورة. أبحث عن ما هو جديد دائما. لا يوجد في قاموس حياتي شيء لا فائدة منه مهما كان بسيطا، يروقني أن ابتكر من النفايات أعمالا فنيّة. وهدفي المحافظة على البيئة أيضا، والاستفادة من كل مواد قابلة لإعادة التدوير، من جذوع الأشجار أنجزت لوحات فنية، إطارات السيارات حولتها إلى مقاعد وزيّنتها ببقايا السيراميك، هناك قطع الزجاج والمرايا. أو الرمل والحصى والأصداف. حتى مسامير الحديد ونشارة الخشب.
ومن الجدير بالذكر أنني حصلت مع طلابي على المركز الأول لثلاث سنوات متتالية في إعادة تدوير المواد، والمركز الأول في مسابقة المدرسة الخضراء في مدارس رأس الخيمة.