د. طه جزاع
يُعَّد طريق الحرير هو الرابط الأهم الذي مكَّن العرب الأوائل من التعرف على بلاد الصين البعيدة، رغم المخاطر الكثيرة التي كانت تهدد قوافلهم، ويصف المؤرخ الصيني ماو توان لين هذا الطريق وصفاً مخيفاً بالقول "على المرء أن يعبرَ سهلاً من الرمال يمتد لمسافةٍ تزيدُ على ألف فرسخٍ. ولا يرى الإنسانُ شيئاً في أي اتجاه سوى السماء والرمال، دون أن يكون هناك أدنى أثرٍ للطريق. ولا يجدُ المسافرون مرشداً لهم سوى عِظام البشر والدواب وبَعَر الجِمال، وطوال هذا الطريق الذي يقطعُ البرية تسمع أصواتاً، تكون غناءً تارة ونحيباً تارة أخرى. وكثيراً ما يتوه المسافرون الذين يتتَّبعون تلك الأصوات لمعرفة مصدرها ويضِّلون طريقهم. إنها أصواتُ الأرواح والعفاريت"!.
كان الحرير الصيني سلعة عالمية، يوم كانت وسائل المواصلات بين الشعوب، هي الجِمال والبِغال والثيران والخيل والحمير والسُفُن والمراكب البدائية، ويوم لم تكن هناك طائرات، ولا قطارات، ولا سيارات، ولا ناقلات بحرية عملاقة، ولا طرق مُعبَّدة، فعلى هذا الطريق التجاري البري الذي يربط الصين بغرب ووسط آسيا، وصولاً إلى تخوم البحر الأبيض المتوسط، ثم إلى أوروبا وافريقيا، لم تعبر البضائع وحدها، وفي مقدمتها الحرير الصيني، إنما التقت أفكار وثقافات، وتحاورت حضارات، وعَبَرت فلسفات، وامتزجت مِللٌ ونِحَلٌ وأديان، من الطاوية والبوذية والكونفشيوسية والمانوية والزرادشتية، إلى اليهودية والمسيحية، والديانة الإسلامية، التي سار رجالها على طريق الحرير، لا للتجارة فحسب، إنما لإيصال رسالتهم إلى تخوم سور الصين. وفي المفازات المُهلِكة ضاعت آثار الكثير من الرجال، واختلطت حشرجاتهم الأخيرة مع أصوات عفاريت المؤرخ
الصيني!.