خضير الزيدي
في أكثر من محاولة فنية، قدم الفنان رعد الدليمي أعماله للمتلقي، وهي مليئة بضرب من الموضوعية ذات الحساسية العالية مع الاهتمام المتزايد بصياغة تعبيرية تتحدد ضمن ملامح جمالية صرفة. وكان لمعارضه التي تجاوزت العشرة أن تغري المتلقي بماهية خزفياته وروحية التعبير الفني وبينت قدرته على الاشتغال بأنه يعير للحروفيات قيمة شكلية وجمالية، كأنه يصر أن يبقينا في طراز بنائي يعود إلى الإرث الفني المتعلق بالحروفيات والطابع الخاص للفن الإسلامي مع الاهتمام ببنائية هندسية من اشتغال يضج بالخبرة والتقنية والخيال. ومهد كثيراً إلى ايجاد خطاب جمالي يصب في معرفة الفكر والامتثال لمواضيع يجدها حية وهو هنا يعتمد على طريقة فعل «هندسي يتمتع بمرونة» تتبلور عبر إمكانية اشتغاله الكثير من التمثلات البنائية التي تخص التحول في الأشكال المختلفة أو المتشابهة.
واللافت أن أعماله ترتبط بنوع من التكوين الذي يجعل المتلقي متفاعلاً مع عناصر عمله كالتكوين الكروي أو طريقة الخط والحرف والإثارة في النزعة البنائية وحتى طريقة الملمس في طبيعة الخامة.
هذا الفنان يسعى لإنتاج فن يحمل خصائص الجمال قبل خصائص البناء، وأعتقد أن رؤيته الهندسية أملت عليه كسر أنماط التعبير في الشكل لإحياء الرؤية الجمالية سواء جاءت تلك الأعمال بطبيعة العمل المسطح أو المجسم واستعمال التخريم مع تقلبات بنائية يعتمدها حسب ذهنيته وخياله، حيث ترى الطين الخشن ولجوءه في أحيان لاستخدام صفائح طينية رقمية. وفي الكثير من تصوراته سيجد المتلقي لعمله استخدامه للخط في ترتيب الحروفيات فوق سطح الخزفيات وبطريقة تنسجم مع طبيعة الاشتغال. فما الذي يريده الدليمي من كل تلك الطاقة التعبيرية ومظاهر الجمال في العمل الفني؟ يظهر التأسيس الأولي لمنجز أعماله وكأنه يمتلك الكثير من الاستعارات ويصعب أحياناً فهم تلك الاستعارات، لأنها تتداخل وفقاً لشروط الفعل الجمالي. وأعتقد أنه يجمع بين النحت والخزف لدرجة تبدو فيها أعماله ذات وجهة مزدوجة القوام تستند لما يمثلها من عامل موضوعي واتجاه لخطاب يعي أن بنائية العمل الخزفي على استعداد للتسابق مع أية فرادة في الفنون الأخرى.
لهذا لا يتجاهل رعد الدليمي دور الموضوع، سواء كان صوفياً أو جمالياً، المهم هناك انسجام وطرح في البنائية الخالصة مع قوام وعناصر الفن لديه. وأحسب أنه لا يتعجل في إنتاج المزيد من الأعمال لأن الفن حسب رؤيته مبني على أسس فكرة تتجاذب داخل عوالم الوهم والحقيقة، فمحاولاته بين مزج الخط فوق الخزفيات أخذت جانباً روحياً وجمالياً لحيويتها أولا ولبعدها التعبيري ثانياً، ولكن بعد كل معاينة لمنجزه سنقف أمام لوازم أساسية يتبناها منطق العمل الفني، كأن يكون الانسجام بين الفكرة والتعبير عنها متغلباً على الشكل أو يأتي الشكل بمظاهر خيال «تجريدي/ تعبيري» ليكوّن نصاً بصرياً ذا طابع إسلامي، متخذاً وجهة روحية صادقة في الطرح والطراز المعماري. وعليه لا بد من ذكر تلك السمة التي اسميها سردية ببراعة اتجاه ونسق شكلي، فما المنطق الجاذب لكل تلك الفعالية من وراء التكوين والبناء الخاص بالخزف؟ إنه خطاب يمزج بين العودة للموروث واحترام الخط كفن له وحدة موضوعية وأساس عملي للتفاعل مع منجز الحداثة في الفن، فهو يطوع فكرته لينتج تراسلا ًجمالياً يمزج فيه بين واقعية وتعبيرية مع مناورة في التلاعب بالأشكال والحجوم وحتى ملمس المادة التي تم بناؤها. نعم عمله مكون من رموز وتنظيم يبدو معقداً ومرتبطاً بطابع هندسي له الكثير من جوانب الرسالة الجمالية لكن نتائج فنه المبهرة لم تزل تتمتع بحضورها لكثرة دلالاتها الرمزية وطريقة أسلوبه المتغير عن
أقرانه.