باب الحلم المؤجل

ثقافة 2024/08/26
...

  حبيب السامر

في مدخل أولي نحو عوالم محتدمة لشخصيات متفاوتة بالوعي والحس والمبادرة، وكمفتاح إجرائي في قراءة الرواية من عتبتها الرئيسة "باب الدروازة"، للروائي علي لفتة سعيد، وهي تضع علامة مهمة لصيد المتلقي وهو يبحث عن الدلالة في عنونتها الترميزية والمثيرة، وفائزة بجائزة الإبداع العراقي/ وزارة الثقافية العراقية  مع رواية "كورونا" للروائية رغد السهيل.
هي تساؤلات مشروعة، بدءاَ بثريا النص كما يصفه معلمنا القاص محمود عبدالوهاب، وهو يتحدث عن العنوان كونه المفتاح الإجرائي في إنتاج دلالة النص وممر مهم للوصول إلى التلقي، قد يكون هذا المدخل مناسبا للحديث عن الرواية الفائزة والناجحة في استقطاب أقلام النقدة والكتاب في الشأن السردي المنتج، وكان التساؤل الأول مشروعا جدا وهو لماذا استخدم الروائي " خلاوي"، وهو البطل والشاهد على تفاعلات الأحداث بهذا التدلل، أقصد لم يستخدم اسمه الطبيعي المتعارف عليه" خليل" أي قد أعطى الشخصية الرئيسة في الرواية هذه النعومة والتدلل والترافة، وهو القادم من ريف الناصرية وخشونة الرجولة من خلال تعاملها مع الأرض، لا أعتقد أن الروائي استخدم هذه التسمية ببراءة دون قصدية تامة؟ لو عرّجنا على المطلع  الرئيس لملحمة كلكامش "هو الذي رأى كل شيء" أي أن الراوي وضع أصابعه على مهمتين رئيستين، معتمدا على الأحداث التي عاشها وشاهدها عن قرب وأحداث أخرى رويت له من مصادر مباشرة أو مقروءة في مصادره الخاصة لذلك فقد سحبنا- الراوي- لنكشف العالم، وما دار فيه من تداعيات  بعيون شخصيته المدللة، وهو يروي لنا الأحداث الشخصية، التي مرّ بها ومثابات المكان، وهي تمثل أهم مرتكزات السرد التي تتناوب فيها الأحداث بين الهامش والمركز.
يتصاعد الفعل الدرامي حين يغادر "خلاوي" محلة الاسماعيلية في مدينة سوق الشيوخ جنوب العراق إلى مدينة صاخبة وضاجة في الكاظمية، وتحديدا باب الدروازة صيف تموز عام 1978، وفي هذا المكان الذي يضم أسرًا وشخصيات متعددة، يعطي الروائي شخصية "سعيد" الصفة المتعلمة والواعية، وهو يسكن "خلاوي" مع جدته في الخان وشقيقه "سليم" طالب الدكتوراه، حيث الغرف المتجاورة والمتداخلة في بوابتها الرئيسة.
تسير أحداث الرواية بمألوفية وتصاعدية، وهي تعطي أحداثها التنوع، حين تسير الأمور بــ "خلاوي" الخائف والمنبهر بعلاقته مع فتحية، ويجد عملاَ في معمل الثلج مع زوج خالته "سعيد"، إذ يتبنى الروائي علي لفتة سعيد في عمله هذا على العنونة بقصديتها المنتجة من خلال تساؤل آخر، وضعته على طاولة الحوار في تونس، هل باب الدروازة يعني الباب المفتوح كما اطلعنا على معانيه المتعددة من مصادر مختلفة.
وهناك تساؤل ثالث يدخل في زمنية انتقال شاهد الأحداث وبطلها" خلاوي" في تموز اللهاب وتحديدا عام 1978، وكيف وضع في رأسه هذا الموعد المحدد، وأقصد في هذا الشهر التموزي الجهنمي بحرارته؟
وتساؤل آخر عن الايحاءات السابقة لانتقال خلاوي وهو يسكن مع شقيقه سليم، لم يسبق  ذلك الحدث أية علامات أو صراعات توحي بفكرة السكن مع " سليم"، لا سيما والأحداث تدخل في حقبة محتدمة.
- لماذا جعل الروائي "خلاوي" الخائف مرتبكا؟ وهل حصل "خلاوي" على ما يريد وتحقيق ما جاء من أجله، ولماذا التزم سعيد بطله "خلاوي" في الكاظمية؟
- لماذا باب الدروازة، أقصد مكان الحدث الكبير وطبيعة تداخل البيوتات والغرف في الخان ملاذا لشخصيات الرواية، ولم يختر مكانا آخر، قد يكون في بساتين بغداد ومناخاتها المتقاربة مع أجواء المدينة التي تركها خلفه؟
اعتمدت في قراءتي هذه على إجابات متنوعة في رأس كل من يقرأ الرواية، وقد بدأت بنفسي أولاً، لذا اكتملت القراءة مع نصيحة "زوج خالته" في صفحات الرواية الأخيرة، بتساؤل أخير: هل طبع "خلاوي" الدفاتر الثلاثة والأوراق، وكل ما احتواه الصندوق في كتاب دون بلا تزييف؟!
هذه التساؤلات وغيرها هي في الحقيقة إجابات صريحة لعمل يستحق الثناء والوقوف على تفاعلات مجريات أحداثه السردية والدروس المستخلصة منه.