مُخْرِجُو العالم الظّرفاء

ثقافة 2024/08/27
...

 كاظم جماسي

اليوم أضحت غرفتهم الخاصة دائرة ألكترونيَّة حصينة مغلقة، قبل خلدوهم إلى نومهم العميق على أسرّتهم الوثيرة، في ميعاد محدد من كل ليلة، يلجونها معًا.  قبل أن يستعرضوا ما اكتمل كل نهار، من مشاهد أفلامهم، يتبادلون أنخاب الويسكي والفودگا والعرق والشمبانيا والساكي والمارتيني والهينكن والسانزانو و.. و .. ويدخنون الچرود الهافاني أو المالبورو أو الكاميل أو الروثمان أو الكينت أو الميروجوانا  أو الكوكائين .. أو .. أو ..
يتفكّهون بظرف ويقهقهون منشرحي الصدور حين تمر أمام أنظارهم فيديوهات ما أبدعته مخيلاتهم الجبارة مما تخلّف من خراب ونثار أشلاء في الموصل ودارفور ودمشق وكييف وبيروت  وغزة و .. و .. وغيرها.. ثم يفاضلون، بتركيز مضاعف، بين من برع من الممثلين في أداء دوره، ليُكافأ المبدع على وفق مستوى براعته، بعدها يتفقدون ما بلغته خطوط منحنيات أرصدتهم في بورصات نيويورك أو طوكيو أو دبي أو لندن.. وقبل أن تغمض أجفانهم يضعون، متضامنين، مشاهد سيناريو اليوم التالي.
في الصباح تتابع المليارات من البشر، مئات المحللين السياسيين والعسكريين والاقتصاديين والرياضيين و .. و ..غيرهم من اصحاب الرأي النافذين، عبر الشاشات والمنصات حول العالم، تنتفخ أوداجهم وتحترق أعصابهم، يصرخون ويزعقون، بأقصى ما تبلغه أوتار حناجرهم، دفاعًا عن الحرية والعدالة والكرامة الإنسانيَّة، وفي الأثناء تغيّر الفانتومات والميگات والدرونات، وتتخاطف الصواريخ، ومن كل الجهات لتلقي بحمولاتها الرحيمة على كل الجهات.
في بقعة جد صغيرة من ظلمة هذا العالم "البالغ الوداعة واللطف"..، وفي زاوية منها جد صغيرة، وخارج تغطية كل أقمار التجسس وشبكات التلصص والتنصت، ظل هناك، ومنذ عمق غائر في التاريخ، طفل جد صغير، يقبع منشدًا، بصوت جد خفيض، على أنغام وطيئة تبثها بتمهل آلة هارمونيكا جد صغيرة، أبيات شعر من قصيدة لشاعر يجهل اسمه:

إن لم احترق أنا
وإن لم تحترق أنت
فمن يبدّد العتمة أذن؟