حينها كم كنتُ غبيَّاً

ثقافة 2024/08/27
...

 ذو الفقار يوسف

يلعب سلوان في نظام كونه بين الحين والآخر، فيما شاركته في ذلك المنغصات التي لم تنفد قط من حياته، "متى ينتهي سوء الحظ" يردد ذلك وهو يحبس أنفاسه بخوف الحذرين علّه يهرب من مصيبة قد يختتم بها نهاره، يلوذ بعد ذلك بما يلتذ به من متع الخيال، ويهرب الى الكون في داخل عقله.
هذه المرة يقرّر سلون أن يبدل شخصيته، أن يرتدي جسداً آخر، وحياة مغايرة، يفصلها كما يريد ويحب، بإتقان وتخطيط، لم يسرع بفعل ذلك، "أمامي الوقت الكافي" ردّدَ ذلك بسعادة المطمئنين، بدأ بملامح وجهه، فخلق له عينين سوداوين حادّتين، لم يهمه من يراهما كذلك، "يجب أن يُخيفا كلَّ من ينظر لهما "قالها ليرسم بعد ذلك بفرشاة خياله ذقنًا عريضًا ذا لحية سوداء ناعمة، يُطيل البقاء عند ذلك الجزء، فكلما حاول الانتقال الى جزءٍ آخر حكمه التردد ليتمسّك برسم الشعيرات واحدة تلو الأخرى وهي تنسدل من على وجنتيه ويتمتم: "إنها زينة الرجال.. ستعجب النساء أكثر من قطعة حلوى"، شاربه ايضا كان له نصيب من هذا الحب،
فخطه كما يفعل السلاطين في المسلسلات التركية.
 لم يحفل سلوان بحالته المادية، إنّه الوجه، البوابة المصيرية نحو السعادة والثراء وحسن الحظ والهيبة والانطباع الأول، أسدل شعر رأسه على كتفيه ليعطي الهواء فرصة لملاعبته كما يحب كأنّه أمير يتبختر أمام أميرته، وراح يُغيّر لونه مرات عدّة إلى أن خُيل لنفسه بأنَّ اهتمامه بتفاصيل شعره يجعله إنسانًا ناعمًا، "لا أريد المجازفة.. نحن الرجال لا نستطيع أن نكون ناعمين إلى هذه الدرجة"، قال ذلك وقد دفعه هذا الشعور لقصِّ شعره بمقص الحياء لينتقل إلى جزءٍ آخر، فأطال رقبته، وأعطى لبشرة وجهه لونًا برونزيًّا مائلًا للسُمرة، رفع كتفيه ووسّع صدره، وحاول قدر استطاعته أن تشبه أصابعه العيارات الناريَّة في مخزن بندقيَّة كلاشينكوف ممتلئ.
 كانت مهمّة صعبة هي ما يقوم بها سلوان بالرغم من كمية السعادة التي رافقت ذلك، لكنّه حزم قراره من أول الليلة بأنّه سيُكملُ ما بدأ به، فقام بتضخيم راحتي يديه، وزاد من تكتلات العضلات في كلِّ جزءٍ من جسمه، بينما قام بتقسيمها عند منطقة المعدة باهتمام مفرط كما المتباهين من رافعي الأثقال، جعل طوله مترين لينظر إلى الناس كما كانوا ينظرون له في معظم حياته، وقام بتغليظ صوته للحد الذي أخافه، في النهاية وصل الى اقصى طابور التغيير، "حان وقت تغيير الشخصية" قال ذلك وقد عرف جيدًا حينها كم هو غبي، "سوف أفقد خيالي" صاح ذلك باندهاش، واستسلم لحقيقته.