رغائبُ مستحيلة

ثقافة 2024/09/01
...

أحمد عبد الحسين



من بين القصائد التي في حوزتي لملاك جلال اخترت اثنتين، لا لأنهما الأجمل بل لأنهما الأشد تعبيراً عن ملاك كما أعرفها: شابة شغوفة بالشعر تقرؤه وتكتبه من دون كثير اهتمام بالإعدادات الخارجية المصاحبة لمن يريد أن يكون شاعراً. يكفيها من الشعر الشعرُ نفسه ومن الكتابة الشغفُ وحده.

ملاك البعيدة عن النشر، تدرس الطبّ لكنني أعرف أنها متوجهة إلى الشعر توجهاً يملأ دواخلها، ولأنني قرأت لها من قبل مقالا عن الشعر أعرف أنها لا تكتب ما تكتب جزافاً ولا لملء فراغ أو تزجية وقت. هي شاعرة من دون أن تقضي وقتاً في وسط شعري أو أن تجعل نصوصها متداولة في فضاء إلكترونيّ تومض فيه النصوص وتنطفئ سراعاً.

ثمة في نصوصها ما يذكرني بامرأتين عانتا من كونهما "امرأتين": فروغ فرخ زاد وفرجينيا وولف. 

في "لون الغياب" تحضر روح فروغ بصوتها الاسيان الهامس الداعي إلى الذهاب إلى الجذور والالتصاق بالأرض. تقول فروغ: "أريد أن أنزل إلى القاع لأتحد بالجذور". وتقول ملاك: "حين التصقت بالحشائش، كنت أنغمر الى قاعٍ ليس يصله جذرٌ". وفي قصيدتيهما معاً نلحظ أن الشعر محض رغبة مستحيلة ولذا تتكرر في قصائد فروغ كلمات من مثل "أريد، قلبي يريد"، وفي قصيدة ملاك "أريد أن أرى، أريد ألا أريد". رغبات امرأة من هذا الشرق لم يعد لديها إلا أن ترغب ولا تستطيع.

في قصيدة "غرفة صغيرة" ما يذكرنا بغرفة فرجينيا وولف "غرفة تخص المرء وحده". غرفة يأتي إليها العالم محض أصوات متنافرة، وفيها شاعرة تحاول أن تلتقط معنى لحياتها، لكنّ المعنى يتبدد مع صياح الأطفال والباعة المتجولين، لتصبح الغرفة مكاناً لشاعرة تعرف كيف يزول المعنى.

صوت ملاك جلال رقيق وشفيف لكنه هادئ، هدوء تعبٍ ويأس من قدرة الاحتجاج والغضب على تغيير شيء واستعادة معنى زال.