ماجد الملا
قصة دراماتيكية أشبه بقصص الأفلام الهندية، من امرأة مسنة تقسو عليها الحياة، فتحيلها وحيدة مشردة، بعد وفاة زوجها وتنكر ابنتها الوحيدة لها، فتصبح بلا مأوى، لا تملك، إلا حنجرة قوية، تستعين بها للاستجداء في الغناء بإحدى محطات القطار بالهند، فتأتي المصادفة التي تنقذها من العدم إلى عالم الأضواء والشهرة، عبر شاب مستطرق يصور هذه العجوز وهي تغني، فينتشر الفيديو انتشار النار في الهشيم، فيعجب ملايين الناس بصوتها الساحر، وخلال فترة قليلة يحصد الفيديو أربعة ملايين مشاهدة، حتى أن هذا الشاب لا يصدق أن يكون لهذا الفيديو هذا التأثير، ويصبح هذا الشاب مدير أعمالها، فتنهال العروض عليها، حتى أن نجم الغناء الهندي ريشاميا يطلب منها الاشتراك بأغنية.
الموسيقى خيال بعباءة ساحر، فهي تسرقك من عالمك وترحل معها إلى عالم بلا حدود، عالم يتجرد به الإنسان من همومه وثقل حياته اليومية المتعبة وخزين أفكاره السوداء وقساوة وتقلبات الزمن، هذا ما فعلته الموسيقى بالمطربة الهندية رانو موندال، التي تحدت ظروفها التعيسة، التي أجبرتها على أن تكون متسولة ومشردة، وهي في عمر الستين، لكن يبقى هاجس الموسيقى ولعاً وحباً وتحدياً، وأيضاً الاصرار على أن الموهبة لن تموت بالتقادم وتنصهر مثلما ينصهر العمر وتذوب سنينه ولن يزول شبح الانتصار على المستحيل وإن الإرادة والعزيمة هما من تخلقان الإعجاز.
صوت المطربة المشردة رانو مثلما يصفونها صوت ملائكي قادم من السماء، فهو صوت ساحر بما تمتلكه تلك الكلمة من صفات ومعانٍ، يتعدى حدود الأبعاد الموسيقية المعتادة ليصل صوتها إلى مساحات من الصعب الوصول إليها، إلا عن طريق الغناء الأوبرالي، فهي تغني على طبقة "السي جواب الجواب" مخترقة الأصوات البشرية التي تصل أحيانا ًإلى أوكتاف ونصف، لكن صوت رانو موندال ذات الستين سنة لم يتأثر بعامل العمر، ونرى أن صوتها قوي متوهج وأداءها ينطلق بحيوية الشباب كأنه صهيل مهرة عزباء.
من أين جاءت بهذا الصوت الفريد وكيف حافظت عليه وأدامته وكيف أبعدته عن قساوة ظروفها؟ بعدما تخلى عنها أقرب الناس وهي ابنتها وتركتها فريسة للشارع الذي آواها، لكنه لم ينسها حبها للموسيقى وطموحها بأن تكون أعظم وأشهر مطربة أنجبتها الهند.
المصادفة أحياناً تكون أعظم من ألف ميعاد وهي من قادت هذه المتسولة إلى منصات الشهرة، بعدما سمعها منتج غنائي هندي وأعجب بصوتها وقدمها بأغنية أصبحت الأن من أشهر الأغاني الهندية وأجملها وهي tiri miri ( تيري ميري) مع المطرب هياش ريشاميا.
رانو موندال يجب أن تكون مثالاً حياً يحتذي به الذين فقدوا بوصلة الأداء وهم في أعمار تؤهلهم للاستمرار والمطاولة، لكن للأسف نرى تراجعاً مخيفاً في تركيبة أصواتهم التي بدأت تفقد بريقها وتتحول إلى عويل أمهات الماعز.