ابتهال بليبل
لقد رأى ألكسندر بوشكين منذ عقود، أن "الفرصة التي تمر من أمامنا فقد لا تعود بعد ذلك أبداً". فهي أشبه بالعمر الذي يمضي ولا يتوقف إلا بالموت. يوصي بوشكين عبر مقولته هذه بضرورة ألا نترك الفرصة من دون الفوز بها. يمكنني أن أضيف الكثير لرأي بوشكين، مثلاً الفرديّة في توجّهات الكتابة وأجناسها، وحتى صناعة الأفكار الثقافيّة والفنيّة.
ولكن قبل وبعد كل هذا، هناك لحظات ترتبط بتلك الفرص التي قد لا نعيرها أية أهمية تذكر، ولا نحاول ابرازها، أو أن نفكر بضرورة تسليط الأضواء عليها، على الرغم من أننا نمارسها بشغف حتى لو كان هذا الأمر يأتي في أغلب الأحيان في وقت الفراغ أو في الخفاء أو بعيداً عن عيون الآخرين، كما هو الحال مع الشاعر وكاتب القصة القصيرة والرواية والدراما ألكسندر بوشكين (1799- 1837) الذي عرف عنه أنه لم يمتهن الرسم قط، إلا أن مؤرخو السّيرة الذاتيّة اكتشفوا مؤخراً أنه كان يحتفظ بمذكرات مصورة مليئة بالرّسومات المختلفة.
في مسودات مليئة بالرسوم الشخصيّة الواضحة بالأبيض والأسود يعطي بوشكين أهمية كبيرة لما يسمى "كتابة المذكرات". الشاعر باعتباره "دقيق الملاحظة" يعتقد بضرورة تدوين ما يراه أو يقبع في
داخله.
لقد نجحت تخطيطات بوشكين في أن تكون مثل الرّسوم التوضيحيَّة لقصائد شعريَّة ولقصص وحكايا، وبورتريهات لأبطالها، وكذلك أصدقائه وعشيقاته وغيرهم، منها "الأميرة ذات الشوارب، كاليبسو، لبيوتر فيازيمسكي، الشيطان، الكونتيسة إليسافيتا كسافريفنا فورونتسوفا، الأميرة ألكسندرا ألكسندروفنا ريمسكايا- كورساكوفا".
البورتريهات التي كان يرسمها بوشكين احتلت مكانة مهمة في حياته. وفكّر في أن تأثيرها بداخله لا ينفصل عن أنها وسيلة لفهم النفس، تبرز بشكل ما قدرته على نقل ليس الجمال الخارجي فقط، ولكن أيضاً تعكس بطريقة ما مشاعر تلك الشخصيات تجاهه وسماتهم.
المذكرات المليئة بالرّسومات هي تفاصيل صغيرة، وصاحبها هو شاهد عيان يوثق ما هو جدير بالملاحظة وتظهر وعياً حول ذلك. هنا تحضرني "الفرصة" التي من الممكن أن تصنع من أصحاب المذكرات الكتابية المليئة بالرسومات مشاهير في الرّسم والفنّ التشكيليّ ولكنها تضيع، لأن الكثير منهم ينظر إليها على أنها سريّة مشحونة بأجواء عابرة من القلق والتوتر وحتى الحب ويعتبرها عصيّة على الإبداع.. ربما ألكسندر بوشكين لم يكن رساماً، ولكن تخطيطاته رغم ذلك تملك تماسك عمل فنان.