علي حمود الحسن
حقق المخرج والمنتج والممثل كيفن كوستنر حلمه بإخراج فيلمه الملحمي "الأفق ملحمة أميركية"(2024) عن الغرب الأميركي، موضوعه الأثير الذي يقتفي فيه أثر المستوطنين الأوائل وصراعهم المرير مع السكان الأصليين من الهنود، لكن الفيلم من جهة أخرى جاء مخيباً للآمال على صعيد شباك التذاكر وآراء النقاد، إذ بلغت إيراداته أكثر من 30 مليون دولار، وهي تقريباً ربع إنتاجه، ما أحرج كوستنر الذي رهن الكثير من أملاكه؛ ليسهم في إنتاجه ويضمن حرية إبداعه التي يحرص عليها منذ إخراج فيلمه الأوسكاري "الرقص مع الذئاب" (1990) الذي كان منصفاً وموضوعياً في تناوله لقضية إبادة الهنود الحمر. الفيلم الذي أراد له مخرجه ومنتجه أيضاً أن يكون ضمن سلسلة من أربعة أجزاء، خيب آمالهما بسبب قلة الإيرادات وعدم تحمس النقاد له، ما اضطر المنتجين إلى تأجيل الجزء الثاني الذي كان جاهزاً للعرض في هذه الأيام.
تدور أحداث "الأفق ملحمة أميركية" في مستوطنة هورايزون، في ستينيات القرن الماضي، التي تقع ضمن مناطق صيد قبال الاباتشي، الذين أبادوا الرواد الأوائل وسلخوا جلودهم على الرغم من اعتراض زعيمهم، ينجو مراهق من المذبحة ويخبر الجيش الاتحادي الذي يقدم بقيادة الملازم ترنيت غيفارت(سام ورثينجتون) الذي يشرف على إنقاذ ما يمكن إنقاذه وتوفير ملاذ آمن لهؤلاء المنكوبين، ومنهم السيدة القوية فرانسيس كيتريدج (سيينا ميلر) التي تفقد أسرتها عدا ابنتها الصبية، يحنو عليهم الجميع لا سيما الملازم الشاب، فتنشأ علاقة عاطفية منضبطة بينهما، ضمن هذا الحشد عصابة تتعقب الهنود وتقتلهم وتسلخ شعورهم مقابل 100 دولار للرأس الواحد، يتعارض موقفهم مع موقف الملازم الإنساني، تتقاطع مع كل هذه الأحداث يوميات عصابة شرسة من أسرة واحدة، تقودهم أم مهيمنة وعنيفة، يبحثون عن عشيقة أبيهم الين (جينا مالون التي تحاول قتله لانتهاكه جسدها وإذلالها، فتصيبه بإطلاقات وتهرب مع طفلها الرضيع، لتختفي وتتزوج وتستأجر امرأة لعوب (آبي لي) لتهتم بالطفل، يلتقيها بمحض الصدفة تاجر الخيول والمقاتل العنيد هانز إليسون (كيفن كوستنر)، تغويه ليبيت في بيتها.. يلتقي بالأخ الأصغر جيسي (جبمي كاميل باور)الذي يشاكسه ويستفزه فيضطر إلى قتله، فيهرب مع ماري والطفل الذي في عهدتها، لتبدأ رحلة الهرب الكبيرة إلى مستوطنة هورايزون، بالتزامن مع قافلة عربات من المستوطنين الجدد الحالمين بأرض الأحلام، بعضهم قتلة وآخرون سراق مواشٍ، وأرستقراطيون يقودهم (لوك ويلسون) هذه الخطوط المتعددة الزاخرة بالأحداث والشخصيات التي جسدها ممثلون رائعون، تكاد أن تكون قد فلتت من سيطرة كوستنر، إذ إن معظمها في طور التأسيس، وبعضها لم تكتمل مصائرها، فبدت مهلهلة، وأقرب إلى المسلسل التلفزيوني باتفاق النقاد، على الرغم من روعة التصوير الذي صور الطبيعة الخلابة للغرب الأميركي من خلال لقطات واسعة، فضلاً عن اللقطات المصورة من الجو، ولقطات المطاردات وحركة الخيول، وكذلك توظيف اللقطات القريبة لتعبر عن انفعالات الشخصيات ومشاعرها، ما أضفى على أحداث الفيلم بعداً ملحمياً، وهذه بالضبط رؤية كيفن كوستنر الذي أرادها موضوعية وواقعية، آزره في ذلك مونتير بارع استطاع إلى حد ما أن يبلور إيقاعاً على الرغم من تداخل الأحداث وتعاقبها، ليختتم الفيلم بلقطات فوتومونتاج أقرب للتتر لأحداث فيلمه المقبل، كأنما يذكرنا بمقدمات السينمات الكلاسيكية "قريبا جداً..الأسبوع المقبل". كنت أتساءل ما الذي يغري مخرجاً مستقلاً على شاكلة كوستنر لاختيار موضوع يخص الغرب الأميركي؟ والجواب من وجهة نظري عشق هذا المخرج المغامر لنبش التاريخ الأميركي، وإعادة قراءته بصرياً، بشكل واقعي ومنصف، فضلاً عن جاذبية عوالمه واحتدامها بالصراع التراجيدي بين المستوطنين والسكان الأصليين، ربما تأنيب ضمير لا واع عن ذنب أميركا الكبير بإبادة السكان الأصليين بوحشية وقسوة.