الأرض التي تغذي جميع الناس يهب كل منهم لنجدتها والدفاع عنها,فحينما يتشاركون في الخوف عليها,تقودهم المصلحة العامة ليتشاركوا بالتضحية في سبيلها والموت من اجلها,فكل شعب يبدأ بحب أرضه ينتهي بطموح لا حدود له, وغالبا لا يجد الراحة إلا عندما ينذر دمه حبا بها,ليغرس في ثراها بذرة شجرة الحرية,وبقدر ذلك يحدثنا التاريخ على مر الزمان كم بذل العراقيون أرواحهم هبة في سبيل رفعة وطنهم وحماية أصقاعه من دنس الطامعين الذين ما أكثرهم حينما نتصفح فصول الزمان الذي مر عبره العراق على مدى آلاف السنين.
دخلت ارض الرافدين مرحلة الصراعات الدولية ودائرة الأطماع الخارجية,التي لا يمكن حصرها بفصل أو بفصلين ولو فعلنا ذلك لترانا بحاجة إلى بحوث عميقة لسردها وقصص طويلة للغور في أسفارها,لكن في كل مرة يخرج العراقيون بوطنهم بأبهى صورة ويظهرون فيها أكثر سموا,كما تخرج النجوم دررا صافية من فوق السحاب المنقشع,وهم اشد باسا على أعدائهم وسيوفهم مسلولة من أغمادها غير ملومة,بفعل قوة تماسكهم,وثبات عزيمتهم,من دون أن يذكر التاريخ اختلافهم على أسس فئوية أو مناطقية أو دينية أو حتى قومية,فرموز تأريخنا الإسلامي وجهادهم وتضحياتهم على ثرى العراق جعلوا منا أكثر شعوب الأرض رفعة وسموا.
وبفضل الله وتضحيات أجدادنا نعيش إلى يومنا هذا تحت ظل وطن كبير بسبب فعل واحد ليس سواه هو العقد الذي تحالف عليه أبناء الرافدين عبر الأزمنة في تماسكهم وتآزرهم,وتوحد صفوفهم,فقد كان العراقيون ينبوعا لمقارعة الناكثين لعهد الله,كأوضح برهانا على وحدتهم,مجسدين إجماعهم على كلمة حق راسخة,هي مناوئة الظالمين ومطاولة الغادرين.
ونحن نعيش هذه الأيام الذكرى الخامسة لانبثاق الفتوى الجهادية المباركة لتحرير أرضنا من غزوات كفرة العصر وفجرة الزمان الدواعش المارقين,ومن تأكيد المرجعية الدينية في النجف خلال إحدى خطبها على أهمية استذكار التاريخ لتضحيات العراقيين بمواجهة الإرهاب,نستشف دعوتها كل أبناء الشعب إلى عدم نسيان دماء الشهداء التي أريقت على أرض الوطن الطاهرة إكراماً لهم,مشيرة إلى أن الاختبار الحقيقي يظهر كلما تعرض البلد إلى ما تعرض له سابقا,كتجربة لتمسك أبنائه بعقيدة الوطن الواحد,لتكون تلك التجربة محل فخر واعتزاز شاركت فيها سواعد كل أبناء العراق,فكانت جحافل الحشد الشعبي تضم المجاهدين الذين لبوا نداء المرجعية من جميع قوى الشعب,فتضافرت جهودهم باتجاه واحد وتغلبت في قلوبهم مصلحة الوطن على بقية المصالح,لترسيخ أمن واستقرار بلدهم, وتجلت في نفوسهم صلابة دعائم وحدتهم الوطنية وتمتين نسيجهم الاجتماعي.
وبالفعل فان التاريخ لن ينسى مواقف من سلت سيوفهم بعقيدة كتبت بأياد متشابكة وبسالة وشجاعة وحمية وغيرة وقلوب صادقة طمأنت النفوس,بيقين ثابت لا يمازجه ريب،ولا يخالطه شك,وإيمان جازم على اختلاف دياناتهم وتعدد قومياتهم وتنوع أطيافهم,ما یؤكد الروابط العمیقة التي تجمع كل أبناء شعبنا متسلحين بمعان روحیة وقيم إنسانیة ومشاعر وطنیة وغايات سامیة,فعقيدة المواطنة وصلت بهم إلى درجة اليقين بحتمية نصر الوطن لتزول عنه نكبات الدهر إلى
الأبد.