رأي في مشروع قانون المحكمة الاتحادية العليا

آراء 2019/06/19
...

زهير كاظم عبود 
 
ما نص عليه الدستور العراقي يكون ملزما وبدون استثناء، وكل قانون يسن من أية جهة يعد باطلا إذا كان يتعارض مع النص الدستوري . باعتبار أن هذا الدستور هو القانون الأسمى والأعلى في العراق، وفق هذا النص والمنطق الدستوري فأن الالتزام بما ورد من نصوص تخص المحكمة الاتحادية العليا لايمكن مخالفتها تحت أية ذريعة او سبب . 
المحكمة الاتحادية العليا ينبغي أن يكون لها قانون ينظم أعمالها، ويفصل جميع النصوص الدستورية في مواد قانونية تفصيلية تختص بها، ذلك ما نصت عليه الفقرة ثانيا من المادة ( 92 ) من الدستور، إلا أن الاجتهادات والرغبات التي يغلب عليها الطابع السياسي أكثر من الطابع الدستوري والقانوني ما تطغي عليها اليوم، ولما كانت جميع الكتل والأحزاب السياسية المتمثلة في مجلس النواب العراقي معنية أكثر من غيرها باعتبارها تمثل الهيئة التشريعية المختصة بالبلاد، وهي حريصة بشكل مؤكد على استقلالية المحكمة الاتحادية باعتبارها من أهم وأرأس المكونات التي تتكون منها السلطة القضائية  الاتحادية،  ومثل هذه المحكمة لايمكن أن تكون تحت سلطة او تدخل أي مكون  آخر من مكونات السلطة القضائية الاتحادية، ومن المنطق ان يكون رئيسها هو رئيس مجلس القضاء الأعلى  حكما .
الفقرة ثانيا من المادة ( 92 ) من الدستور العراقي تتحدث عن شكل مكونات المحكمة الاتحادية العليا، وهذا الشكل محدد ومفصل لايمكن لأي نص قانوني آخر أن يخالفه أو يعمد إلى التعارض معه، حيث سيقع باطلا كل ذلك، النص الدستوري ينص على ان المحكمة الاتحادية العليا تتكون من عدد من القضاة، ومن (خبراء في الفقه الإسلامي ) ومن (فقهاء القانون ) وهم أيضا من الخبراء، وإن عدد قضاة المحكمة وخبرائها وفقهاء القانون يتم تحديده وتنظيم طريقة اختيارهم وطريقة عمل المحكمة بقانون . 
الخبراء الذين أشار لهم النص الدستوري ليسوا بقضاة، والخبير كما يعرفه قانون الإثبات العراقي رقم 107 لسنة 1979 المعدل هو من يلم بالأمور العلمية والفنية والفقه وأصول وثوابت الدين للفصل في القضايا المنظورة من دون أن يكون له رأي في المسائل القانونية، وكذلك فقيه القانون فهو خبير مهما كانت درجته العلمية، وتقدم الجهتان من الخبراء تقارير خبرتهم الى المحكمة، وللمحكمة أن تتخذ من تقرير الخبراء سببا لحكمها، غير أن رأي الخبير لايمكن أن يقيد المحكمة، والرأي لقضاة المحكمة، ويمكن أن تقضي بخلاف تقرير الخبير كلا أو بعضا.   
وحتى لا يقع المكلفون بإعداد مشروع قانون المحكمة الاتحادية العليا تحت تأثير رغبة الكتل والأحزاب والشخصيات السياسية، عليهم أن أرادوا ذلك أن يعملوا على تعديل النص الدستوري، والتعديل وفقا لما نص عليه الدستور من آلية قبل أن يباشروا باختيار قضاة من بين الخبراء، والقاضي لايتم منحه المركز القضائي برغبة حزب أو كتلة سياسية، لأن طريق أعداد القاضي مرسوم وفق الآلية التي نصت عليها التشريعات،  ولايمكن الخلط بين مهمة القاضي والفقيه في القانون أو الشريعة، فلكل واحد منهم اختصاصه ومعلوماته ، ويمكن أن يتم تشكيل هيئة من المستشارين في هذه المجالات تابعة لهيئة المحكمة إلا أنها لا تتدخل بالقرار القضائي ، وهو ما تعمل به المحكمة الدستورية في مصر. 
ويمكن أن يتم اختيار أساتذة القانون والمحامين لأعدادهم كقضاة في المحكمة الاتحادية، كما ان السن القانونية المطلوبة لعضو المحكمة من القضاة ينبغي أن لا تقل عن 45 سنة  مع مراعاة الحد الأعلى للسن  من ناحية الخبرة والمعرفة القانونية والسياسية والاجتماعية، ويمكن اختيارهم من القضاة المستمرين بالخدمة آو المحالين على التقاعد، في حال توفر الكفاءة ، حيث أن التقيد بإحالة  عضو المحكمة من القضاة وفقا لقانون التنظيم القضائي يحرم المحكمة الاتحادية من الاستفادة من تلك الخبرات و هي بحاجة ماسة إليها  وفق اختصاصاتها التي حددتها المادة ( 93 ) من الدستور . 
قانون المحكمة الدستورية العليا في الجمهورية العربية السورية اشترط فيما يخص عمر عضو المحكمة أن لا يقل عن 40 سنة ولا يزيد عن 72 سنة، في حين نص قانون جمهورية تونس مشترطا   الحد الأدنى 45 سنة  ولم يتحدث عن الحد الأعلى، القانون الأردني اشترط سن 50 سنة الحد الأدنى ولم يشترط الحد الأعلى مع أن تعيينهم يكون لمدة ستة سنوات، وتنتهي خدمة العضو بالاستقالة أو الوفاة .
أن تأخير إصدار قانون للمحكمة الاتحادية العليا يؤشر إلى حالة من عدم المسؤولية، لأن صرحا قضائيا كبيرا بحجم هذه المحكمة ينبغي أن يكون له من الاهتمام والتكاتف لإرساء قاعدة متينة من قواعد دولة القانون، كما انه ينهي الجدل والاجتهادات ويرسخ عمل المحكمة والتي لم يصدر لها قانون طيلة دورات انعقاد مجلس النواب . 
وبالنظر لظهور أشارات ايجابية في قراءة مشروع المحكمة الاتحادية، فأننا نتمنى الدقة في النصوص، والالتزام بمطابقتها الدستور، وأن تكون بمستوى الطموح الذي يسهم بوحدة العراق باتجاه المستقبل .