د. كريم شغيدل
مهما نبهنا وصدحنا بأعلى أعلى أصواتنا ومهما كتبنا فلا فائدة، فمنذ أيام مجلس الحكم تنبأ أغلب المراقبين بأن المحاصصة ستكون عرفاً سياسياً لا فكاك منه، ولا يتردد أغلب السياسيين من جعلها شماعة تلقى عليها جميع الأخطاء، وهي في رأي الأغلبية من السياسيين وعامة الشعب المنفذ الفسيح للفساد بكل ألوانه، لكن في واقع الحال نجد أن من يدين المحاصصة لم يكن في موقعه لولاها، ومن ينتقدها علناً هو أول من يطالب بحصة كتلته، وأول من يسارع لتقديم ذوي القربى والولاء بدل الكفاءات، ولطالما رددنا في وسائل الإعلام المختلفة: تحاصصوا في المناصب السياسية، لا ضير، تقاسموها كما شئتم، لكن افسحوا المجال لإدارة البلد مهنياً من قبل الكفاءات الوطنية وذوي الخبرة من المستقلين، تفاءلنا خيراً بفتح النافذة الألكترونية للترشح للوزارات في الأيام الأولى للحكومة، لكن بالنتيجة رضخت الحكومة، وسترضخ أية حكومة لإرادة الكتل السياسية ولما تعده حقاً انتخابياً أو حقاً طائفياً أو قومياً أو دينياً وحتى عشائرياً أو عائلياً، فالمناصب بما تحققه من مكاسب مشروعة أو غير مشروعة أصبحت أطماعاً جهوية وشخصية تقسم بالتوافق.
إن إلغاء المحاصصة – بالمناسبة - لا يوقف الفساد، فكل مؤسسة أصبحت مسجلة على ذمة كتلة سياسية، فحتى لو اختير لها شخص مناسب مستقل ليترأسها فسيكون تحت سطوة المتنفذين من الكتلة صاحبة الشأن، وكل مؤسسة لها موازنة سنوية معلومة، ولها أبواب مشرعة لاستثمارات المتنفذين، إن لم نقل نسبة معلومة لتسيير شؤون الكتلة تحت مختلف المسميات والذرائع، لأن الكتل السياسية لا تملك في الوقت الحالي تمويلات مالية معلومة، فمن المنطقي أن تتمول ذاتياً من أعضائها، وإلا من أين تحصل على ما يديم وجودها ومقراتها ونشاطاتها وحماياتها وأسلحتها ووسائط نقلها ومواكب المسؤولين فيها؟ وبما أن اشتراكات الأعضاء على طريقة البعثيين، ليست مجدية في الوقت الحالي، فإن تحول مؤسسات الدولة إلى إقطاعيات هو الخيار العملي الأنسب.
الكتل السياسية جميعها متفقة على المحاصصة، بصرف النظر عن تصريحات البعض ضدها، ولن تسمح لأي رئيس وزراء بالخروج على هذا النهج، لكن ما يؤسفنا كثيراً هو ظهور أغلب السياسيين من على شاشات الفضائيات وهم يحاولون إيهامنا بأنهم ضدها، وفي الواقع هم الأشد تمسكاً بها، وهي غطاؤهم الشرعي الوحيد الذي يسوغ وضعهم في أماكنهم، أما دعاة الإصلاح من مختلف الكتل فهم يؤمنون بالإصلاح حقاً لكن على طريقتهم، وعلى هواهم، فالإصلاح عندهم هو الشراكة، والعدالة في اقتسام الامتيازات، الإصلاح هو المجيء بموالين ينفذون الأوامر الصادرة من أولياء الأمر.
كلامنا هذا لا يغير من الواقع شيئاً، فهو أسوة بآلاف الانتقادات التي توجه بلا طائل، ثم من سيقرأه؟ وإن قرأه أحدهم فسيهز يده متهماً كاتبه بالبطر، وكأني به يقول: القوم في حيص بيص في معركة حامية الوطيس على المناصب وهذا يثردُ بجانب الصحن، متهكماً بالفصحى على المثل العامي(يثرد بصف الماعون).