حسن الكعبي
فيلم وصمة عار سيناريو مصطفى محرم وإخراج أشرف فهمي ومن بطولة نور الشريف، شهيرة، يسرا، يوسف شعبان وآخرين، هو تنويع على فيلم الطريق الذي أخرجه حسام الدين مصطفى وقام ببطولته رشدي أباضة وشادية وسعاد حسني، والفيلم مأخوذ عن قصة بنفس الاسم للكاتب الكبير نجيب محفوظ، وفي هذه القراءة سيتم تناول فيلم (وصمة عار) لأنه وفي إطار التنويع على فيلم الطريق استطاع أن يحرّف مسارات التأويل وأن ينتج دلالة مغايرة لما أنتجته رمزية الفيلم الأول والقصة المأخوذ عنها، ففي تأويله لرمزية قصة رواية الطريق يشير جورج طرابيشي في كتابه (الله في رحلة نجيب محفوظ) إلى أنَّ الرواية هي بحث عن الله مرموزاً له بسيد سيد الرحيمي الذي عندما لا يستطيع أن يعثر عليه صابر بطل الرواية فإنه يرتكب جرائم قتل متعددة نتاج غياب القيمة الخلقية الرادعة للشر.
تأويلات طرابيشي تنطبق على النسخة الأولى من الفيلم لأنها نقلت الرواية بحرفيتها، لكنها أي هذه التأويلات ستفقد أهليتها مع التنويع الذي أحدثه مصطفى محرم في الفيلم من خلال إشباعه برموز لم تكن داخل الرواية أو بمغايرة رموز داخل الرواية وإنتاج رموز مضادة لها، فسيد الرحيمي الذي كان غائباً في رحلة البحث في النسخة الأولى، يظهر في نهاية الفيلم، وظهوره بحد ذاته سينقل التأويل من منطقة الفلسفة التي قصدها نجيب محفوظ وفكك دلالاتها طرابيشي إلى منطقة سيكولوجية بحتة سنقف عليها بعد أن نستعرض مجريات الأحداث في الرواية وفي الفيلم الذي التزم النص حرفياً لكنه أنتج رموزاً قلبت ميزان التأويل الدلالي كما أشرنا إلى ذلك.
حكاية الرواية والفيلم تبدأ من خلال موت امرأة داخل السجن بعد أن ألقي عليها القبض وهي تقود شبكة دعارة لتصادر جميع أموالها وقبل موتها تخبر ابنها (صابر) كما ورد في الرواية و(جابر) كما ورد في فيلم (وصمة عار) بأنها كانت متزوجة من رجل ثري يدعى سيد سيد الرحيمي وأنه هجرها ولم يعترف به وأنَّ كل ما تملكه من أدلة على هذا الزواج هي القسيمة (ورقة الزواج) وصورة لها في ليلة الزفاف من الممكن أن تساعده في التعرف على والده ولا سيما أنه يشبهه كثيراً، ويبدأ جابر رحلة بحثه عنه بدافع الثروة لأنه اعتاد حياة الرفاهية التي وفرتها له امه من قيادتها لشبكات الدعارة، وبمجرد قبول جابر لحقيقة أنَّ والدته كانت مومسا وقوادة سيكون لذلك دلالة سيكولوجية في مدى جشع جابر والذي سيدفعه في ما بعد لارتكاب جريمة بشعة من خلال قتل رجل عجوز يمتلك فندقاً يقطن فيه جابر خلال رحلة بحثه عن والده، وتتم الجريمة بتدبير من زوجة العجوز الصغيرة والجميلة التي ترتبط بعلاقة مع جابر بعد أن تعده بالاستيلاء على أملاك زوجها والزواج منه، لكن مجرى أحداث الفيلم يُدخل طرفاً ثالثاً، لم يكن من عناصر الرواية الأصلية والفيلم بنسخته الأولى، والطرف الثالث هو رجب يؤدي دوره (يوسف شعبان) الذي يجعله الفيلم وراء التخطيط لجريمة القتل بالاشتراك مع الزوجة وتوريط جابر فيها، بعد أن يتعرف على مدى جشع جابر، نهاية الفيلم مختلفة أيضاً عن النسخة الأصل، حيث يقوم رجب بقتل الزوجة والاستيلاء على أموالها تاركاً مبلغاً من المال يستولي عليه جابر فتلقي عليه الشرطة القبض ويحكم عليه بالإعدام شنقاً وينفذ حكم الإعدام بحقه والده سيد سيد الرحيمي الذي يصدم جابر لرؤيته ويصرخ به (ابويه ابويه)، لكن الأب ينفذ الحكم ببرودة أعصاب وكأنه أصم لم يسمع أي كلمة من جابر.
إنَّ هذه النهاية المختلفة عن نهاية الرواية التي جعلت من صابر قاتلاً للعجوز وللزوجة أيضاً وقتله بالتالي من قبل الشرطة في العراء والتي سمحت بالتأويل الفلسفي لأن يجعل من موت صابر موتاً صوفياً في محاولة رؤية الله التي يقيدها الجسد، إنَّ هذه النهاية تسمح بإنتاج تأويل مغاير هو تأويل سيكولوجي محض بجعل الجريمة نتيجة حتمية للمغذيات السلوكية التي زرعتها أم عابثة داخل ولدها هي مغذيات تتجلى بقيم الربح السهل الذي وفرته عن طريق الدعارة وحتى عند موتها فإنها تدل ولدها على طريق ربح سهل آخر هو الوصول إلى والده ومطالبته بحقوقه من الثروة فتكون النتيجة عند عدم عثوره على والده أن يرتكب جريمة قتل بدافع الثروة والربح السهل، حيث تعمل قيم الوصولية والانتهازية المزروعة داخله على شرعنة وإباحة كل شيء.
نهاية الفيلم التي جعلت من سيد الرحيمي منفذاً لحكم الإعدام تشير إلى دلالة عميقة هي دلالة الأبوة الشرقية الدوغمائية التي تعفي نفسها من مسؤوليات التربية والتنشئة وتحدد نفسها بمسؤولية العقاب عند الخطأ فقط أي أنها تمنح نفسها سلطة عقابية وحسب.
إنَّ جودة فيلم (وصمة عار) لا ترجع فقط إلى براعة أداء نور الشريف الذي فاق الأداء البارع للفنان رشدي أباضة وإنما إلى السيناريو المكتوب بإتقان ووعي ينشد مغايرة النص الأصلي وتوليد نص داخله، استطاع أن ينقل دلالات الحدث من الكون الفلسفي الغنوصي الذي خطط له الروائي الكبير نجيب محفوظ إلى الكون السيكولوجي الذي يتابع بوعي ثاقب كيفية تشكل سيكولوجيا الجريمة بتتبع خيوطها وأسبابها السلوكية، وهذا يدفعنا للاعتقاد بأنَّ براعة مصطفى محرم في استيلاد نص من داخل نص آخر، فاقت النص الأصلي وجاءت أكثر إقناعاً في معالجة إشكالية سلوكية تدفع إلى ارتكاب أبشع الجرائم.