علي حسن الفواز
ما أثارته المناظرة بين مُرشّحَي الرئاسة الأميركيَّة كان مثيراً للجدل لطبيعة ما يحملانه من أفكار وتصورات، فالرهان على صناعة القوة لا يُشبه الرهان على صناعة الديمقراطية، وما بين الرهانين ظلَّ حديث السياسة باهتاً، لا طعم له، لأنَّ ما جرى بين المرشّح الجمهوري دونالد ترامب، والمرشّحة الديمقراطية كاميلا هاريس كشف عن صراع له مزاج شخصي، مع تناقض كبير بين برنامجيهما، وبين أهدافهما في التعاطي مع السياسات الخارجية والداخلية، ومع القضايا الكبرى التي تهدّد الأمن العالمي.
المناظرة استعراضية في تمثيلها، وفي تعبيرها عن توجهات الطرفين، وفي ما يمكن أن تصنعه الولايات المتحدة خلال السنوات الأربع المقبلة، على مستوى الاستعداد لحروب اقتصادية وسياسية وجيوبوليتكية، أو على مستوى تكريس مفهوم القوة كما يطمح لها ترامب، أو تكريس مفاهيم الليبرالية الجديدة كما تريدها هاريس، وهذا بطبيعة الحال سيجعل من الخطاب السياسي مفتوحاً على قراءات متعددة، وعلى مناورات تُخفي أكثر مما تُظهر.. فبقطع النظر عن طبيعة الاستطلاعات التي تنشرها وكالات الأنباء ومؤسّسات الرأي العام، فإنَّ التنافس الرئاسي بدا سطحياً واستعراضياً، دون مقاربة حقيقية لإقناع الجيل الجديد في أميركا بجدوى السياسة، وبسوق خالية من التضخم، تتسع لفرص عمل أكبر، بعيداً عن هواجس البطالة والكساد والعودة إلى الحرب الباردة.
تقارب نتائج الاستطلاع دفع إلى مزيد من الهوس السياسي، والسخونة البلاغية، وزيادة منسوب الشتائم والسخرية، وكأنَّ هذه المناظرة ستُعطي حكماً بالأفضلية، وأنها لعبة الفرصة الأخيرة التي تعزّز الآمال بفوز هذا المرشح أو ذاك، أو إثارة الإعجاب بطرفٍ على حساب الطرف الآخر، لاسيما أنَّ أداء الرئيس السابق ترامب ارتبط بتأكيد نزعته الشعبوية، وطموحه في تحويل الخطاب إلى ما يُشبه استعراض السيرك الذي يستثمر فيه ضعف معالجة الديمقراطيين لكثير من الملفات، وإخفاقهم في تمثيل «القوة الأميركية» في حرب التجارة مع الصين، وفي حرب الإيديولوجيا مع روسيا، وحتى في معالجة ملفّ الشرق الأوسط وحرائقه المفتوحة، فضلاً عن تصوير محاولة اغتياله وكأنها قربان للديمقراطية، رغم أنَّ سجلَّ ترامب الرئاسي حافل بكثير من السياسات العنصرية، والعنف الشعبوي، وبالدعوة إلى «مقاضاة وسجن مسؤولي الانتخابات والمعارضين السياسيين والمانحين وغيرهم من غشّاشي الانتخابات» كما يسميهم.
خطاب المرشحة هاريس بدا أكثر إثارة، فقد تعمّدت كسر أوهام الفخر لدى ترامب، والحديث عن ملاحقته القضائية، مع نقد ساخر لمواقفه بشأن الضرائب والإجهاض والسيطرة على الحدود وقانون الرعاية الصحية وغيرها. وهذا ما بدا وكأنه فخٌ، نصبته المدعية العام السابقة لجعل ترامب يفقد كثيراً من سطوته وهيبته إزاء الجمهور الباحث عن الجديد.