الغرب ومراثي السياسة

قضايا عربية ودولية 2024/09/17
...

علي حسن الفواز



الغرب لم يعد غربا جاذبا للاطمئنان السياسي، والديمقراطية باتت أمام تحديات فاضحة في المصالح وفي الصراع الافتراضي مع الشرق الأيديولوجي. هذه العتبة ليست توصيفا للنهايات، بقدر ما هي إرهاص لما تستبطنه معطيات ما يجري في الغرب الأوروبي من مراثٍ، من وقائع تتضخم مع تضخم المشكلات والصراعات، والخوف من كساد اقتصادي، ومن أشباح روسية وصينية، ومن شرق إسلامي لم يعد سحريا، ولا أسطوريا.

خيار الذهاب إلى صراع مفتوح في أوكرانيا، قد يكون إعلانا عن دخول الغرب في مرحلة الحرب الشاملة،  والدفاع عن الكيان الصهيوني ليس بريئا من النزعة العنصرية، ومن إعادة إنتاج المركزية الاستعمارية، وحتى البحث عن تسويات اقتصادية مع الصين، يكشف عن العورات العميقة في النظام الاقتصادي الأوروبي، وفي أسواقه، وفي برامج تسويق الصناعات والسلع والحماية التجارية..

كما أن تغول سياسات التطرف، والعنصرية، وإجراءات الكراهية، تكشف – من جانب آخر- عن عودة إلى ما يشبه سياسة الابارتيد، وإلى فرضية النظام الموهوم بسلطته المدعومة من أحزاب اليمين المتطرف، عبر إجراءاتها وإكراهاتها ضد المهاجرين والأقليات الإسلامية والأفريقية والآسيوية، إذ تحولت بيئاتها إلى مناطق أزمات، تتراجع فيها القدرات الاقتصادية والحريات والحقوق المدنية وفرص العمل. 

أزمة الغرب جزء من أزمة "النيوليبرالية في الولايات المتحدة، ومن شغفها بتوريط أوروبا في حروب فائقة الخطورة، ولعل ما صرح به عضو البرلمان الأوروبي والعضو السابق في مجلس النواب البولندي غريزغورز براون ضد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال مؤتمر صحفي، بالقول: " إن الشعب البولندي لن يدفع ثمن حروب الولايات المتحدة"، يؤكد مدى الخوف الأوروبي من الحروب الأميركية، ومن تأثيراتها في مستقبل الغرب، ومن العودة إلى حكومات الفاشستية والنازية، وربما من الكساد الاقتصادي الذي عاشته أوروبا في العشرينيات من القرن الماضي بسبب تداعيات الحرب العالمية الأولى.

البحث عن الغرب الأخلاقي أصبح عملية صعبة، فكل ما يجري حول الغرب يُهدد بكوارث كبيرة، وبصراعات قد تُدخله إلى أزمات العنف، وربما إلى "الحرب النووية" أو إلى حرب الاستنزاف جرّاء ما يجري في حرب أوكرانيا، وهو ما قد يُهدد بالانزلاق إلى الفوضى، وإلى توسع مظاهر التطرف والكراهية من جماعات اليمين الأوروبي، ومن الجماعات الأقلوية، وما حدث قبل مدة في بريطانيا بعد التظاهرات والتهديدات العنيفة للجماعات اليمينية، يؤكد مدى الخطورة التي يمكن أن تهدد ديموقراطية الأمن في الغرب وسياسات التعايش في نظامه الليبرالي..