حازم رعد
كانت اللحظة التي أعلن فيها افلاطون عن تأسيس "الاكاديميّة" منعطفاً مهماً لجعل الفلسفة أكثر تنظيماً، فهي قبله كانت شعبية تطوف في الأزقة والساحات الاثينيّة، ولم يكن فضاء يعنى بها يضمها وينظم عملها، وكانت تلك اللحظة قد جعلت من الفلسفة أكثر ارتباطاً بالقضايا السياسيّة الراهنة لتعبر عن اهتمامها بالإنسان وتنمية معرفته وتدبير شؤونه.
واللحظة التي اشتغل فيها ارسطو طاليس على تأسيس اللوقيوم "المدرسة الفلسفيّة التي عرفت بالمشّائيّة" هي النقديّة الواقعيّة في تاريخ الفلسفة، فمن خلالها تمَّ العمل بمنهجيات منطقيّة واضحة تقوم على الاستنباط والقياس والنقد والمراجعات العلميّة.
واللحظة التاريخيّة المهمّة "إسلاميّاً وعربيّاً" هي تلك التي أعلن فيها عن تأسيس بيت الحكمة أو خزانة الحكمة في العصر الزاهر من الحضارة الإسلاميّة ليُكلل ذلك العصر بأبهى صوره، مع ذلك الإعلان عن أكبر معهد للفلسفة والمعرفة الذي ضمَّ أهم الفلاسفة والمفكرين والمترجمين، فإنَّ المعاهد والمنتديات المعرفيَّة والفلسفيَّة جماليات للمدن بعد كونها مغذيات معرفيَّة وفكريَّة.
واليوم، نجد اتحاد الأدباء والكتّاب في البصرة حريص على مواكبة ذلك المسار المعرفي للفلاسفة على طول تاريخ البشريّة، فقد شرع بالإعلان عن افتتاح منتدى الفلسفة في البصرة، ليكون قد دشن مساهمة أخرى في ديمومة المعرفة ومواكبة الخطاب الفلسفي في واقع أحوج ما يكون إلى وجود منتديات تعزز الخطاب المعقول وتثريه بالمرونة اللازمة على مستوى التفكير والمناهج والأدوات المعرفيّة.
وليس ذلك بشيءٍ غريبٍ على البصرة رائدة الإبداع ومشروع التنوير الاسلامي، وانما المستغرب على البصرة أنّها أبطأت كثيراً في ايجاد منتدى أو مركز معني بالفلسفة والفكر، إذ منها انطلقت أولى الاتجاهات الفكريّة التي اعتمد العقل في انتاج الأحكام والقراءات والنظر في الأشياء وهو اتجاه المعتزلة في القرن الهجري الأول، وقبل أن يعلوا نجم فيلسوف العرب الكندي الذي هو الآخر قد تلقى التلمذة العقليّة والفلسفيّة في البصرة، كما أنّها أولدت أولى الجماعات الفلسفيّة التي مازجت بين الفلسفة والشريعة وهم "أخوان الصفا وخلان الوفا". ومن البصرة بزغ نجم ابراهيم بن يسار النظام، والخليل بن أحمد الفراهيدي، وغيرهم.
ونحن على آثار أولئك الجهابذة نجدد العهد بالفلسفة ونضطلع بتأسيس منتدى الفلسفة على أمل أن نسهم الى حدٍّ ما في تعميم المعرفة ونشر الوعي العقلاني بين ظهراني الوحدات الاجتماعية المختلفة ونشر قيم العقلانيّة والاعتراف بالآخر والتسامح وقبول المختلف وغيرها من القيم الخلقيّة الفلسفيّة
الرفيعة.