لماذا يستمرُّ الانتحال والسرقة الأدبيَّة والفنيَّة؟

ثقافة 2024/09/30
...

  بغداد: مآب عامر

ربما تعد قصة الشاعر الروماني مارتيال التي حدثت في عام 80 ميلادية، هي أول سرقة أدبيّة في سياق كشفه "لفيدينتينوس" الذي كان يسطو على أبياته الشعرية وينسبها لنفسه. ووفقاً لهذا الأنموذج المتداول، يمكن النظر لانتشار ظاهرة السرقة الأدبيّة التي توصف بحسب المصادر في "أنها تعبيرٌ عن انتحال أو سرقة أدبيّة ‏أو فكرية أو علميّة" هي من أعمال النصب والاحتيال.

وقد كان كاتب المسرحيات والشاعر والممثل بن جونسون أول من أخذ موقفا جديدا من سرقة الأفكار. وهكذا بدأت الأضواء تسلّط على السرقات الأدبيّة والانتحاليّة سواء في اللغة أو مجالات علميّة مختلفة ولكن ببطء شديد، فعلى سبيل المثال، كان يُنظر إلى الأديبة والمحاضرة الأمريكية هيلين كيلر على أنّها تسرق أفكار الآخرين على الرغم من أن مؤلفين سبقوها أمثال "شكسبير" كانوا قد اعتادوا فعل الشيء نفسه ولكن من دون أية مشكلة تذكر. وهذا بالتأكيد يعود إلى التطور الحاصل والتدريجي في الأفكار التي تعنى في الحد من السرقات الأدبية عبر التأريخ.  
ولكن مع ذلك، لم يكن ذلك سوى بداية لتحول جاد في الأوساط الأكاديمية والثقافية والفنية والتقنية وصولاً إلى إمكانية إثبات الحقوق الملكيّة والفكريّة. ولكن لماذا يستمر فعل الانتحال والسرقة الادبية والفنية وغيرهما؟
يرى الناقد علي سعدون أنَّ ظاهرة السرقات الأدبيَّة والسطو عبر الترجمة وغيرها من الأساليب السيئة، تشيع اليوم بسبب الغفلة النقديّة والتكاسل في متابعة ما يصدر من مؤلفات في الرواية والقصة والشعر والنقد.  

قانون الملكيَّة الفكريَّة
ويوضّح سعدون أن هذا "يرجع أيضاً إلى ظاهرة الترويج غير المنصف لعدد من الاصدارات التي لا تتوفر على شيء من الأصالة والرصانة الأدبيّة، حيث تذهب الإجابة عن مثل هذا السؤال إلى شقين رئيسين، الأول يتمثل بشيوع ظاهرة الانتحال والسرقة اللتين صارتا علامة من علامات تطفل البعض على الأدب، فصاروا أدباء وكتّابا بعلامة فارقة عنوانها الانتحال والسرقة. فيما يذهب الشق الثاني إلى اعتبار شيوع هذه الظاهرة تاريخيا ولا يخفى على القارئ الأحداث الكثيرة التي رافقت الشعر العربي على وجه التحديد في موضوعة السرقات لكبار الشعراء".
ويقول إنَّ "الأهم والأخطر بتقديري، هو تدوير الأفكار وإعادة صياغتها على النحو الذي يمثل سرقة لجهود الباحث الأصلي، الأمر الذي يحتّم على المعنيين بالنشر والتحرير في الصحف والدوريات الثقافية الانتباه بشكل دقيق لمثل هذه الحالات السيئة للغاية والتصدي لها بالاستعانة ببرامج التدقيق التي تتوفر في معظم الجامعات العراقية وبعض المؤسسات العلمية".
أما عن الثقة التي تمنح للأديب فيجب أن تكون للتجارب الراسخة والرصينة لا التي تأخذ بيد الطارئين والمتطفلين على الأدب. كما ويضيف سعدون أنَّ "علينا جميعاً أن ندفع باتجاه تفعيل قانون الملكية الفكريَّة وتجريم الكتّاب الذين يقفون وراء اشاعة مثل هذه الظواهر المخزية".
ويتابع سعدون: أملي كبير بأن الفرز موجود بين النتاج الأدبي الأصيل وبين سواه من النتاج الملفق والطارئ، مؤكدين على ما جاء في موروثنا الفلسفي من أن البقاء للأصلح. "الفرز موجود وهو كفيل بإزالة الغث والمتردي من الأدب العراقي ولو بعد حين"، وفقاً لتعبيره.  

الأعمال الهجينة
أما الكاتب والشاعر أحمد كاظم خضير، فيرى أنّه من الصعب السيطرة على السرقات الأدبيَّة في ظلِّ ما نعيشه اليوم من تعدد أساليب وقنوات المعرفة والإبداع، ويقول: إذا كنا نعاني سابقاً من ضعف تطبيق قوانين حقوق الملكية الفكريَّة فسرقات اليوم هي فوق هذا المستوى. ولا يقوم بهذا الفعل إلا ضعيف الشخصية وضعيف الإبداع، وإذا كان البعض يبرر "للطلاب مثلاً" هذه المساعدة كما يسمونها، فكيف يبرر لشاعر هذه الخيانة الذاتية؟ وكيف نثق به كإنسان إذا كان سارقاً حتى بمشاعره بعد هذا الخلل الأيديولوجي؟
ويوضح: أنا أضع سببين للسرقة الأدبية: الأول هو الإعجاب، حيث لا يُسرق إلا الثمين، والثاني المصلحة الاجتماعية كالجوائز والدراسات وغيرها. وفي كلا الحالتين هما اعتراف بالنقص.
وبالحديث عن الأعمال الهجينة يتابع خضير، يجب أن نشير هنا إلى بعض المصطلحات: "التوارد" وما هي النسبة بين السرقة والتوارد، فسرقات المتنبي مثلاً يبررها النقاد بالتوارد وأحياناً تُمدح لجمالها مقارنة بالأصل! وكذلك شكسبير وإليوت وأخيراً أدونيس، وما يثار من أن الأدباء "الكبار" يسرقون أفكار الأدباء المغمورين فيستغلون أسمائهم وانتشارهم لترسيخ ونقش هذه المواد بتأريخهم.
ويرى الشاعر أنّ "التأثر" ونسبته ومدى عمقه، كتأثر دانتي في الكوميديا الإلهيَّة بأبي العلاء المعري في رسالة الغفران، وتأثر السيّاب بشعر إليوت، والتأثر بالحبكة والأحداث في الروايات، أما "الاقتباس" ويكثر في السرد والنقد، ويتنوّع كاقتباس عبارات أو أحداث وشخصيات وأفكار وتداخلها بتصرّف من الكاتب مع الإشارة أو من دون الإشارة للأصل.
ويشير إلى أنّه ليس هناك رادع للسرقات الأدبيَّة سوى الضمير واحترام الأديب لنتاجه والبحث عن الفرادة والتميّز وعدم المقارنة مع الآخرين.