حزب الله ينفذ عمليات نوعية في العمق الصهيوني
بيروت: جبار عودة الخطاط
ثمانون طنًا من المتفجرات العنيفة صبها الكيان الصهيوني خلال عملياته الإجرامية التي أدت إلى استشهاد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله؛ لتدخل الأوضاع في لبنان وسائر المنطقة في منعطف حساس وخطير للغاية، حزب الله شدد على مواصلة المسيرة وواصل قصف المواقع المعادية، بينما كثف الجيش الصهيوني من غاراته الهمجية على مناطق مختلفة من لبنان.
ضاحية بيروت الجنوبية بدت صباح أمس الأحد حزينة إثر المصاب الجلل، بينما اتشح الشارع الرئيسي فيها (أوتستراد السيد هادي) بالوجوم والصدمة التي أكد مواطنون بحتمية تجاوزها، إذ عبر حشد من أبناء الضاحية في مسيرة جابت بعض مناطقها المنكوبة إثر القصف، عن أنهم لن يتخلوا عن المسار الذي اختطه السيد الشهيد نصر الله.
الجيش اللبناني من جهته، طالب المواطنين بالحفاظ على الوحدة الوطنية في هذا الظرف الدقيق، وجاء في بيان له أمس الأحد: «على إثر إمعان العدو الصهيوني في اعتداءاته الإجرامية التي أسفرت عن استشهاد أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله وأكثر من ألف شهيد، فضلًا عن آلاف الجرحى خلال الأيام الماضية، تهيب قيادة الجيش بالمواطنين الحفاظ على الوحدة الوطنية وعدم الانجرار وراء أفعال قد تمس بالسلم الأهلي في هذه المرحلة الخطيرة والدقيقة من تاريخ وطننا، حيث يعمل العدو الصهيوني على تنفيذ مخططاته التخريبية وبث الانقسام بين اللبنانيين».
جثمان الشهيد
في غضون ذلك، أفادت وكالة «رويترز» نقلا عن مصدرين، بانتشال جثمان الأمين العام لحزب الله السيد الشهيد حسن نصر الله من موقع الهجوم الجوي الصهيوني على الضاحية الجنوبية لبيروت.
وأظهرت الصور التي بثتها محطات التلفزيون المحلية لاحقًا هوة واسعة، حيث كانت هناك ستة مبانٍ، وكان رجال الإنقاذ يتنقلون بين الأنقاض التي كانت تبدو ضئيلة الحجم مقارنة بضخامة الحفرة. وذكرت وكالة الأنباء الوطنية اللبنانية أن سلسلة الانفجارات التي وقعت عند حلول ليل الجمعة أدت إلى تحويل ستة أبراج سكنية إلى أنقاض في حارة حريك، وهي منطقة مكتظة بالسكان، ذات أغلبية شيعية في ضاحية بيروت، وارتفعت سحابة من الدخان الأسود والبرتقالي إلى السماء، بينما اهتزت النوافذ والمنازل على بعد نحو 30 كيلومتراً (20 ميلاً) إلى الشمال من بيروت.
وكانت حكومة الكيان الصهيوني قد قررت تنفيذ جريمة اغتيال نصر الله أثناء تواجد رئيسها المجرم بنيامين نتنياهو في نيويورك، وكشفت مصادر لصحيفة «نيويورك تايمز» عن أن أكثر من 80 قنبلة ألقيت على مدى عدة دقائق لقتل السيد الشهيد، من دون الكشف عن وزن القنابل أو نوعها.
وبحسب مصادر أميركية، فإن عناصر الحزب عثروا على جثمان السيد نصر الله وحددوا هويته في وقت مبكر أمس الأول السبت، إلى جانب جثمان أحد كبار القادة العسكريين وهو علي كركي.
ووثقت مشاهد مصوّرة مراحل تجهيز جثمان الشهيد نصر الله، رفقة القادة الشهداء الآخرين، وهم: الشهيد القائد الحاج سمير توفيق ديب «الحاج جهاد»، والشهيد القائد الحاج علي كركي «الحاج أبو الفضل»، والشهید الحاج محمد حبيب خير الدّين «الحاج حسن».
عدوان وردود
في هذه الأثناء، واصل الجيش الصهيوني عمليات استباحته الهمجية للمناطق اللبنانية عبر غاراته العنيفة التي طالت بنيرانها مختلف المناطق اللّبنانيّة، حيث كثف الجيش الصهيوني من غاراته العنيفة فجر أمس الأحد على منطقة البقاع ومحيط مدينة بعلبك، كما استهدف العدو بغاراته بلدة العين مستهدفًا منزلا وقد دمره بالكامل على رؤوس ساكنيه الآمنين، ما أسفر عن ارتقاء أحد عشر شهيدا عملت فرق الدفاع المدني والهيئات الصحية على انتشال جثثهم من تحت الأنقاض، واستهدفت الغارات المعادية بلدات: إيعات، الجمالية، نحلة، دورس، بوداي والهرمل في البقاع، بينما أغار الطيران الحربي الصهيوني على مركز للدفاع المدني تابع لجمعية كشافة الرسالة الإسلامية في بلدة طيردبا، وتفيد المعلومات الأولية بوقوع أربعة شهداء فضلاً عن عدد كبير من الجرحى.
الغارات المعادية طالت أيضا: الطيري، بلاط، شقرا، القاسمية، طيرحرفا، عبا وزوطر الشرقية والمجادل، وكالعادة كان للضاحية الجنوبية حصتها من نيران وصواريخ طائرات الكيان الصهيوني الغاشم، حيث شن غارات جديدة على الضاحية ومنطقة الشويفات، ونفذ الطيران الصهيوني غارتين على منطقة المساكن، ومحيط مستشفى حيرام في مدينة صور، في حين عمدت الطائرات المعادية إلى إطلاق قذائف ضوئية في أجواء بلدة الوزاني، نجم عنها اغتيال الشيخ نبيل قاووق عضو المجلس المركزي في حزب الله.
وفي مقابل توسيع الكيان الصهيوني لدائرة عدوانه على لبنان، نفذ حزب الله عمليات نوعية في العمق الصّهيوني، إذ أعلن الحزب، في بيان، أنه «دعماً لشعبنا الفلسطيني الصامد في قطاع غزة وإسناداً لمقاومته الباسلة والشريفة، ودفاعًا عن لبنان وشعبه، ورداً على الاستباحة الهمجية الصهيونية للمدن والقرى والمدنيين، قصف مجاهدو المقاومة الإسلامية معسكر أوفيك بصلية من صواريخ فادي 1، كما قصف الحزب مستعمرة كتسرين بصلية صاروخية.
بينما أعلنت (الجبهة الداخلية الصهيونية)، عن سماع دوي صفارات الإنذار في مدينة طبريا بالجليل وجنوبي الجليل، وذكر إعلام العدو وقوع انفجارات ضخمة في طبريا وصفارات الإنذار تدوي في الجليل الأسفل.
المرشحون للخلافة
الصحافة العالمية ووكالات الأنباء الدولية، خصصت مساحات واسعة لتغطية الحدث الجلل باستشهاد نصر الله، ومن بين تغطيتها للحدث تناقلت الوكالات تقارير عن أبرز المرشحين لخلافة السيد الشهيد بموقع الأمين العام الرابع لحزب الله، وذكرت أن السيد هاشم صفي الدين ابن خالة الشهيد نصر الله، يعد من أبرز الأسماء المرشحة لقيادة الحزب.
ويرأس السيد صفي الدين المجلس التنفيذي للحزب، إذ يشرف على كامل الشؤون السياسية والبرامج الاجتماعية والاقتصادية للحزب، مما جعله على تماس مع قيادات حزبية من الصف الثاني والثالث، كما أنه يتمتع بعلاقات قوية مع الجناح العسكري. وُلد في عام 1964 في بلدة دير قانون النهر بجنوب لبنان، وتلقى تعليمه الديني في النجف وقم، وكان جزءا من النواة المؤسسة «لحزب الله» عام 1982.
ويشبه السيد صفي الدين ابن خالته السيد الشهيد في الشكل والجوهر، وجاء من قم إلى بيروت، ليتولى رئاسة المجلس التنفيذي الذي يعتبر حكومة الحزب، وأشرف على عمله القائد الأمني السابق للحزب الشهيد عماد مغنية.
الاسم الثاني في التسلسل، هو الشيخ نعيم قاسم الذي ارتبط بعلاقة مباشرة مع الشهيد حسن نصر الله لأكثر من 35 عاما. تخرج من الجامعة عام 1977 وحصل على شهادة الماجستير في الكيمياء، ثم تابع دراسته الدينية الحوزوية عند عدد من العلماء، ثم درس على يد محمد حسين فضل الله بحث الخارج في الفقه والأصول. ويعتبر نعيم قاسم شخصية ذات مكانة مرموقة وقوية داخل الحزب، وهو معروف بخبرته السياسية والدينية وصاحب حظوظ كبيرة في أن يتولى هذا المنصب.
الشخصية الثالثة: طلال حمية من مواليد 1952، ينحدر من بلدة طاريا الواقعة في البقاع الأوسط، وهو من الشخصيات القليلة التي كانت تتواصل بشكل مباشر مع الشهيد حسن نصر الله، ويتزعم وحدة العمليات الخارجية للحزب. وهو ينتمي للجناح العسكري للحزب، كما يعتبر حمية من الجيل الأول لحزب الله، إذ انضم إليه في منتصف الثمانينيات حين تولى مسؤولية تنشئة عناصر في برج البراجنة بضاحية بيروت الجنوبية، ويطلق عليه الموساد الصهيوني لقب «الشبح».
المرشح الرابع: إبراهيم أمين السيد الذي كان أول رئيس للمجلس السياسي لحزب الله وإحدى الشخصيات القيادية القديمة، وله دور بارز في بناء شبكة العلاقات السياسية في لبنان خاصة مع القوى السياسية الأخرى مثل حركة «أمل» و»التيار الوطني الحر» وغيرهما. وبحسب مراقبين، تعتبر فرصة إبراهيم السيد في شغل منصب أمين عام حزب الله ضئيلة مقارنة بالمرشحين الآخرين.
وفقاً للنظام الداخلي لحزب الله؛ فإن مجلس الشورى في الحزب هو الذي ينتخب الأمين العام، ومجلس الشورى في الحزب هو القيادة العليا، ويتم انتخاب أعضائه من هيئة ناخبة تضم المئات وتسمى «المؤتمر العام»، ويترأس المجلس، الأمين العام الذي يُنتخب لولاية مدتها 3 سنوات باتت قابلة للتجديد بعد تعديل النظام الداخلي للحزب، ما سمح لإعادة انتخاب الشهيد نصر الله مرات عدة.
ويتألف المجلس من 7 أعضاء يتخذون القرارات الكبرى، أبرزها انتخاب الأمين العام، بينما تتخذ القرارات داخل المجلس بالأغلبية، كما يتولى كل منهم ملفا خاصا، ويدير قطاعا من قطاعات الحزب.
إلى ذلك، ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال»، أن «حزب الله يحتفظ بآلاف المقاتلين المتمرسين وترسانة كبيرة يمكنه استخدامها»، رغم اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله.
موقف إيراني
سياسيًا، أكد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، أن «استشهاد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله لن يمر من دون رد»، مشدداً في الوقت نفسه على أنّ ذلك «لا يعني نهاية المقاومة، بل إنّه يبشّر ببداية فصل جديد، يتميّز بقوة أكبر». وأضاف، أنّ «في صفوف حزب الله العديد من الرجال العظماء»، متقدّماً بالتعازي والمواساة إلى الشعب اللبناني وحزب الله.
من جهته، قال رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف، إن أركان محور المقاومة ستواصل مواجهة «الكيان الصهيوني» بدعم من إيران حتى تحقيق النصر. وأضاف قاليباف أمس الأحد عقب اجتماع مغلق للبرلمان، أن «الكيان الصهيوني يشن حربا معقدة ومن الضروري وضع خطط دقيقة ومركبة لمواجهته»، مشددا على أن «هذا الكيان لا يمتلك اليد الطولى في المنطقة ويسعى يائسا للتعويض عن خسائره».