لينغ جان.. عرَّاب الدهشة الواقعيَّة

ثقافة 2024/10/06
...

لا يمكن أن يتمَّ وضع "لينغ جان" من ضمن رسامي الواقعيّة المفرطة لسبب بسيط، وهو أنّه تخطاها بجدارة منذ أن ظهرت لوحته الشهيرة "الفتاة بالقميص الأخضر" والتي أُطلق عليها موناليزا الصين، فبواقعيَّة ثلاثيَّة الأبعاد وثنائيّة أحياناً استطاع هذا الفنان أن يُظهر لنفسه مدرسة يمكن أن نعتبرها ريادة خاصة به.
فالمتتبع للأعمال الآسيويّة عموماً والصينيّة على وجه الخصوص، يمكنه ملاحظة تركيز فناني تلك المناطق على الظاهرة الواقعيّة اللونيّة البارزة، أي أنّهم يعملون على وفق مبدأ الإبهار وجذب الضياء البصري باتجاه اللون الصارخ، متخذين من التصوير الدعائي سبيلاً لإظهار مهاراتهم، واستمروا هكذا حتى انفتاح الصين على الثقافة السوفييتية نهاية عقد السبعينيات من القرن الماضي، ثم تراتبت المراحل الانتقالية للعقليّة الفنيّة الصينيّة عبر الذائقة الشعبيّة العامة التي بدأت تميل للفن الشرق أوروبي، والأوروبي بصورة عامة أبان شروع الفنانين التشكيليين الروس بنقل معارضهم الفنية للدول المجاورة والصديقة.  
بدايات لينغ جان في عرض لوحات الحقبة الثمانينيَّة التي سبقت ثورة الانفتاح كانت لفتيات من بلاده، ولكن بملابس تشيكية مثلاً، أو روسية صيفية وكأنّه يعلن عن الانفتاح المحلي السابق لعصره على البيئة الدوليَّة، مما دفع ذائقة الأخيرة للتفاعل مع أعماله واستحبابها مشكلاً صدمة للتراث القديم باعتماده اولويات الانفتاح الثقافي أسوةً بأقرانه، أمثال فان لي جونگ، وتشانج شياو قانج- صاحب أعلى مبيعات في زمانه، لكن لينغ جان كان "حسب رأيي" أكثرهم حضوراً عالميّاً وشعبية محلية، إذ مازالت منصات التواصل الاجتماعي تعجُّ بأعماله، وثمة أفلام توثق حالة الاندماج التي يعيشها مع العمل الذي يرسمه.  
لم يكن هذا الأسلوب بدعة للفنانين الصينيين، فهم الأكثر تعلقاً بواقعهم الثقافي والاجتماعي، وهم أكثر الفنانين الذين نقلوا التراث الشعبي القديم للعالم الحديث، ولكنّهم كفنانين تأثروا - وهو أمر طبيعي- فالإبداع شريك التأثر، ليس في الفن التشكيلي فحسب، بل في جميع الألوان الثقافيّة حتى الشعر والكتابة. فكان هذا الفنان يعيش مراحل انتقالته الخاصة بدءاً من الوضع السياسي وليس انتهاءً بالوضع الاجتماعي، واستخدم أي غرض فني تعبيري متاح. إلا أنّه ركّز على استخدام أجمل جانب من جوانب الحياة ومسبباتها، وهي المرأة.. تلك الفتاة التي يربو ظلال جسدها على ملايين الحركات الفنيّة بريشة فنان مبدع عرف كيف يخرج مكامن الجمال في شخصيتها، ويعلن عن فرادة مواطنه، مع لحاظ أنّه لم يتجاهل مذاهب الحداثة المتجددة في الفن الصيني، ولم يعتمد البيع كآليَّة لإبراز أعماله، بل اتخذ منحى مختلفاً وهو الإعلام الشعبي التواصلي الاجتماعي، فحاكى الذائقة العامة البسيطة بأعمال مهمة.
وهنا يكمن سر ظهوره واستمراريته واتباع أساليبه والتأثر بها، كما فعل الفنان الكوري جونغ وون ليونغ وغيره. إلا أن لينغ تفرد بعقليَّة الدقة المدهشة، لأنّك مهما اقتربت من اللوحة أو حاولت تكبير أجزاء منها ستغرق في تفاصيل متناهية في الدقة. فمن يمكنه أن يُخرج ظل الخيط على الجسد بهذه الدقة؟، والفنان إنّه جان لينغ المولود في الصين عام 1963 هو رئيس جمعية الفن الزيتي الصيني، ونائب رئيس جمعية الفنانين العامة، وعميد المعهد العالي للفنون، وأيضاً عرّاب الدهشة الواقعيّة وملك الواقعيّة فوق
المفرطة.