سامر المشعل
اهتم الكثير من الباحثين والمعنين بالموسيقى والغناء في فترة السبعينيات، والذي يحلو للبعض تسميته بالعصر الذهبي للأغنية العراقية، واهملوا فترات مهمة من تاريخ الاغنية العراقية، ومنها حقبة الخمسينيات، والتي ظهرت فيها الأغنية البغدادية.
شهدت بغداد آنذاك نهضة وازدهار في جميع المجالات ومنها حقل الموسيقى والغناء من خلال ارساء بنى تحتية رصينة والتوسع بفتح المسارح والقاعات وصالات العرض السينمائي والمعاهد الفنية المتخصصة. فأخذ معهد الفنون الجميلة يرفد الساحة الفنية بالموسيقيين والاكاديميين، إضافة إلى البعثات الدراسية خارج العراق في بريطانيا وأوروبا للحصول على الخبرات والشهادات العليا في التخصصات الفنية، التي لقيت اهتماما من قبل النظام الملكي، فضلا عن جلب الكفاءات من مدرسين واساتذة بالموسيقى من مختلف انحاء العالم.
الأمر الذي أدى إلى ظهور عدد من الملحنين المسلحين بالثقافة والمعرفة الاكاديمية في صياغة أغنية جديدة عرفت بالأغنية البغدادية، تتسم بالرقة والبهجة والعتب الشفاف، تعبر عن روح المدينة وترفها. ابرز ملحني هذه الفترة: جميل سليم، وديع خونده، رضا علي، عباس جميل، يحيى حمدي، ناظم نعيم، محمد عبد المحسن، وسالم حسين.. أغلب هؤلاء الملحنين تخرجوا من معهد الفنون الجميلة، الذي أسسه الشريف محيي الدين حيدر ابن عم الملك فيصل الثاني بالعام 1936 ويعد أول معهد موسيقي بالشرق الاوسط.
كانت بغداد تتمتع في فترة الخمسينيات بمدنية عالية وهناك ذوق وتحضر في التعاطي مع الفن والفنانين، وكانت العائلة المالكة محبة وداعمة للفن، وتقيم الحفلات الغنائية باستمرار، ولأول مرة بتاريخ العراق يأتي رئيس وزراء يغني وملم باصول المقامات ويجالس معشر المطربين والموسيقيين هو نوري السعيد.
الدليل على تبغدد وتمدن بغداد آنذاك أن أغلب الأصوات الغنائية كانت من النساء وهن: سليمة مراد، صديقة الملاية، احلام وهبي، لميعة توفيق، وحيدة خليل، زهور حسين، مائدة نزهت، وعفيفة اسكندر، التي كانت تغني بأكثر من لغة، وتمتلك صالونا أدبيا، ومثلت في فيلم " يوم سعيد" مع محمد عبد الوهاب وفاتن حمامة.
ظهرت في تلك الفترة ملامح أغنية بغدادية تعبر عن روح البيئة البغدادية، بما فيها من بساطة وانفتاح وبهجة وتفاؤل ومن هذه الاغاني " ام الفستان الاحمر، طالعة من بيت ابوها، سمرسمر، نوبه مخمرة ونوب مغشاية، فدوه ياعزيز العين، شدعي عليك يلي حركت قلبي..
وغيرها.
تحولت بغداد في تلك الفترة إلى منطقة جذب للفنانين العرب من سوريا ومصر ولبنان للعمل في بغداد منهم: نهاوند، راوية، نرجس شوقي، فائزة احمد، زكية جورج، اسماعيل شبانة شقيق عبد الحليم حافظ، الثلاثي المرح، هيام يونس وشقيقتها نزهت.. وغيرهم.
شهدت فترة الخمسينيات تنوعا في الانماط الغنائية ومنها الاغاني العاطفية والوطنية والموشحات، التي ازدهرت على يد الموسيقي السوري علي الدرويش، الذي أسس فرقة الموشحات الاندلسية، والموسيقي الفلسطيني روحي الخماش، وانتشر المنلوج بصوت عزيز علي، والغناء الاستعراضي والسينمائي والقصيدة التي حلق بها الفنان ناظم الغزالي عاليا في فضاء العالم العربي. وللحديث
بقية