إيميلي إيلودي
ترجمة: كريمة عبدالنبي
احتفل الفن التّشكيليّ المعاصر مؤخرا بعدد من النساء اللواتي قاتلن بشجاعة جنبا إلى جنب مع الرجل في أكبر ثورة للعبيد في العالم والتي اندلعت في هايتي في القرن الثامن عشر إذ تشير الأحداث التاريخيَّة إلى النساء في هذا البلد ممن قاتلن، في بعض الحالات‘ بشجاعة أكبر من الرجال خلال الثورة الهايتية. ويبقى السؤال كيف ساهمت النساء في هذه الثورة ولماذا لم يتم تداول قصصهن لفترة طويلة؟
فمع حلول ليلة الثالث والعشرين من آب من عام 1791 وقرب الساحل الشمالي لمنطقة سان دومينغو (دولة هايتي حاليا) اندلعت النيران وسط المزارع بعد أن قام العبيد باشعال النيران في الحقول والأبنية ومن ثم قاموا بقتل مالكيهم. كانت هذه بداية الثورة الهايتية، الانتفاضة الوحيدة للعبيد التي ذكرها التاريخ والتي قادت إلى قيام دولة خالية من العبودية بعد أن كانت مستعمرة فرنسية.
وصلت أصداء هذه الانتفاضة إلى الجانب الآخر من المحيط الأطلسي وإلى الجانب الفرنسي بالتحديد حيث كانت تجارة العبيد رائجة في هذا الجانب من العالم حيث بدأت دول هذه المنطقة تدرك بأن أيام اخضاع العبيد شارفت على النهاية. وبعد سنوات ساعدت هذه الثورة على بروز هجمات مسلحة للعبيد في دول أخرى من العالم. قادت ثورة العبيد إلى تقويض النظام الاستعماري الذي كان يحكم هايتي وإعلان الاستقلال سنة 1804.
كانت هذه أول ثورة ناجحة للعبيد على مر التاريخ لتصبح هايتي أول جمهورية للسود في العالم وأول دولة كاريبية تنال استقلالها ليصبح جان جاك ديسالين أول حاكم لدولة هايتي بعد تحريرها من الاستعمار الفرنسي ليحكم البلاد من عام 1804 إلى عام 1806. ويعد ديسالين مؤسس دولة هايتي إذ تم تعيينه حاكما ومن ثم إمبراطورا لهذه الدولة قبل أن يتم اغتياله بعد سنتين من الحكم.
كان للنساء دور كبير في قيام الثورة واستقلال هايتي رغم أن تاريخ هؤلاء النسوة بقي غير معروفا بسبب عدم توثيق نشاطاتهن. ولكن بقيت قصص وشجاعة بعض النسوة أمثال سانيت بلير، وسيسيل فاتيمام، وماري جين لامارتيني، وكاثرين فلون، وسوزان سيمون وأخريات، معروفة ومتداولة بين سكان هايتي.
ولغرض توثيق شجاعة هؤلاء النسوة، قدم الرسامان ريتشارد باربوت وفرانكو كوفين، وهما من هايتي، عدد من اللوحات الفنية التي عكست وجوه هذه الشخصيات النسوية ضمن معرض فيتزوليام الذي يقام تحت عنوان "المقاومة، الثورة والاصلاح".
وبينت اللوحات المشاركة في المعرض مدى تأثر الفن التشكيلي الهايتي بالثقافات الأفريقية والأوروبية، بالاضافة إلى إرث العبودية والاستعمار الذي أجبر العبيد على القيام بأكبر تمرد في التاريخ.
تأثر الفن الهايتي منذ مراحله المبكرة باسلوب الفن الفرنسي حتى بعد الاستقلال والتخلص من الاستعمار الفرنسي وكانت معظم لوحات فناني هاييتي تركز على الملامح الدقيقة للأشكال البشرية وعلى الأخص البورتريهات.
تميزت معظم اللوحات التي تمثل أبطال الثورة الهايتية بالألوان التي تعبر عن الذات. ولم تكن ثورة العبيد هي السبب وراء ظهور الفن الهايتي، وإنما كان لهذه البلاد فنها الخاص حتى قبل اكتشافها من قبل كريستوفر كولومبس حيث كانت الرسومات الملونة تزين جدران الكهوف والأكواخ التي كانوا يعيشون فيها وحتى على الأجساد العارية للسكان.
ومن بين أبرز اللوحات التي استضافها معرض فيتزوليام لوحة تمثل شخصية المحاربة ماري لامارتين للرسام فرانكو كوفين، إذ تظهر المحاربة الهاييتية مرتدية زي الرجال. وتميزت اللوحة بدقة ملامح المحاربة الثورية ودقة اختيار الألوان، وتشير الوثائق التاريخية إلى أن ماري لامارتين كانت تقاتل جنبا إلى جنب مع الرجال.
وفي جانب آخر من المعرض، نجد لوحة للرسام ريتشارد باربوت وهي تمثل سانيت بلير بملابسها ورتبتها العسكرية. وقد أبدع الرسام بتفاصيل الوجه الداكنة وتفاصيل الملابس العسكرية لهذه المحاربة التي تم إعدامها فيما بعد بأوامر من نابليون بونابرت نظرا لدورها الرئيسي في قيادة المعركة ضد القوات الفرنسية عام 1802.
عن موقع بي بي سي