ترجمة: نجاح الجبيلي
أصبحت الطبعة اليابانيَّة ذات الغلاف الورقي من رواية “مئة عام من العزلة” لغابرييل غارسيا ماركيز ظاهرة النشر خلال الصيف في اليابان، حيث بيعت نحو 290 ألف نسخة في ثمانية أسابيع، وهو نفس العدد الإجمالي للنسخ الثلاث ذات الغلاف المقوّى التي تمت طباعتها خلال 52 عاماً الماضية.
من بين أسباب العودة المفاجئة لتحفة غابرييل غارسيا ماركيز “مئة عام من العزلة” المسلسل القادم الذي ستطلقه منصة نتفلكس في نهاية العام الحالي والمستوحى من الرواية. وقد صمم غلاف الطبعة الجديدة الرسام الياباني الأكثر رواجاً حالياً ريوتو مياكي إذ عرض فيه شخصيات بلدة ماكوندو بأسلوب موسوعي.
وقد اختار العديد من القراء اليابانيين طبعة الجيب لأنهم انجذبوا إلى الغلاف الذي صممه مياكي. إذ يستحضر أسلوبه الرسوم التوضيحية الدقيقة للبعثة النباتية (1783)، التي رسمها خوسيه سيليستينو موتيس، الذي قام بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر بتسمية وتصنيف جزء كبير من النباتات الكولومبية. وقام مياكي بترتيب 16 عنصراً من مدينة ماكوندو الخيالية، بما في ذلك جهاز التقطير، والتلسكوب، وديك القتال وحفنة من الموز، بالإضافة إلى شخصيات مثل الرجل الغجري ميلكياديس والعقيد أوريليانو بوينديا.
يقول ريو كيكوتشي، المسؤول عن الترويج للطبعة الجديدة من الرواية:” بالإضافة إلى تقديمه بتنسيق منخفض السعر للقراء الذين سيشاهدون المسلسل على نتفلكس ، أردنا الاستفادة من الذكرى السنوية العاشرة لوفاة غابو لإعادة تقديم أدبه”.
مع العلم أنَّ الطبعة الأولى من الرواية صدرت في اليابان عام 1972 عن دار النشر شينشوشا. في ذلك الوقت، لم يكن الكاتب الكولومبي قد فاز بجائزة نوبل في الأدب.
في أثناء مقابلته مع صحيفة “الباييس” الإسبانية ظهر كيكوتشي وهو يرتدي قميصاً أسود مزيناً بوجه غارسيا ماركيز المبتسم. هناك أيضاً عبارة خطت بلون أصفر على القميص مكتوب عليها “مرحباً بكم في ماكوندو” باللغة الإسبانية. وهذا جزء من حملة إعلانية تتضمن حقائب كبيرة مزينة بشجرة عائلة بوينديا التي ترد في الرواية. ويوضح الناشر أنه على الرغم من بطء وتيرة مبيعات الطبعة الأولى، إلا أنَّ الرواية شغلت رفوف المكتبات اليابانية طوال هذه السنوات، نظراً لسمعتها باعتبارها إحدى روائع الأدب العالمي. حتى الآن، بيع من الرواية ما لا يقل عن 50 مليون نسخة بـ 46 لغة.
وكانت الرواية، التي نُشرت لأول مرة في عام 1967 في بوينس آيرس، مصدراً للإلهام أو حافزاً للمسيرة الأدبية للمؤلفين اليابانيين المتميزين. كان كينزابورو أوي (1935 - 2023)- الحائز على جائزة نوبل في الأدب عام 1994- من أشد المعجبين برواية “مئة عام من العزلة”، التي أثرت في روايته الصادرة عام 1979، “لعبة المعاصرة”. وتدور حول مدينة خيالية محيطية، ترمز أسطورتها التأسيسية إلى التاريخ الحديث لليابان وتطرح أسئلة حول أصول العائلة الإمبراطورية.
يصف كاتب ياباني مشهور آخر، ناتسوكي إيكيزاوا، جزيرة خيالية في ميكرونيزيا يحكمها دكتاتور مستوحى من شخصيات ماكوندو في رواية بعنوان “حادثة نافيداد: سقوط ماتياس (1993). وبعد وقت قصير من نشره لها، حصل الكتاب على جائزة تانيزاكي، وهي إحدى الجوائز الأدبية الكبرى في اليابان. وسلط النقاد الضوء على انفصالها الأسلوبي عن الرواية الطبيعية والانطوائية، التي هيمنت على السرد الياباني لأكثر من نصف قرن.
يحمل إيكيزاوا بكل فخر لقب “مطارد نثر غارسيا ماركيز”. في مؤتمر غارسيا ماركيز الأول، الذي عقد في معهد ثربانتس في طوكيو، في أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2008، أوضح أنه من خلال قراءة المؤلف الكولومبي، تعلم أسلوب “تحدي قوانين السبب والنتيجة”. وفي ندوة عقدت مؤخراً بشأن مئة عام من العزلة، تحدث إيكيزاوا مع تومويوكي هوشينو، وهو مؤلف آخر حائز على عدة جوائز، والذي، بعد قراءة ملحمة عائلة بوينديا في التسعينيات، ترك الصحيفة التي كان يعمل بها وذهب لدراسة اللغة الإسبانية في المكسيك.
وخلال المناقشة، سلط هوشينو الضوء على صلة الرواية بالوضع المضطرب الذي يمر به العالم، من فوضى اجتماعية وطغاة وحروب، في تكرار دوري للقصة التي ترويها أورسولا إغواران (الشخصية التي عاشت أطول فترة في ملحمة غابو).
وتعليقاً على تأثير مئة عام من العزلة، يشير أصحاب الأصول الإسبانية المحليون إلى جودة الطبعة الأولى، التي قام بها المترجم الراحل تاداشي تسوزومي. وقد جرت مراجعة هذه النسخة لاحقًا عدة مرات لإعادة إصدار الغلاف المقوى.
تحتوي قصة ماكوندو المترجمة على طبقة حسية غير موجودة في النسخة الإسبانية الأصلية، وذلك بفضل الكتالوج الذي لا ينضب من المحاكاة الصوتية اليابانية التي - بالإضافة إلى الأصوات- تسمح بوصف الأحاسيس أو الحالات العاطفية. في المشهد الافتتاحي، على سبيل المثال، أضاف المترجم الصوت الإيقاعي للأحجار في مجرى نهر ماكوندو (goro-goro)، وللتعبير عن ملمسه الناعم، استخدم المحاكاة الصوتية sube-sube.
أدت الرغبة في فهم الرواية بشكل أفضل إلى ظهور نوادي الكتاب، حيث ناقش المشاركون جوانبها الأدبية وغير الأدبية. شخصيات من خارج العالم الأدبي، مثل الفنان الكوميدي باكي باكي فيرجن، الذي لديه 1.6 مليون متابع على موقع يوتيوب، يؤكدون للمشاهدين أنه على الرغم من سمعته باعتباره تحفة فنية، إلا أنه ليس كتاباً طناناً. يوصي هؤلاء المؤثرون اليابانيون بالاستمتاع بغرابة سرده.
تذكرنا هذه النصيحة باقتراح بارع قدمه كوبو آبي، وهو كاتب مشهور آخر ومحب للرواية، في خطاب ألقاه عام 1983. بعد تسليط الضوء على “الجدية المفرطة” لمواطنيه، شرح آبي خصائص الطعام الحار لتحفيز النصف الأيمن من الدماغ، حيث، وفقا للمؤلف، تكمن فيه روح الدعابة. ومن ثم، فقد خلص إلى أنَّ أفضل طريقة لليابانيين للاستمتاع بمئة عام من العزلة هي تناول السوشي مع الكثير من الوسابي (الفجل الحار).
عن صحيفة الباييس الإسبانية