لماذا خانت أليس مونرو ابنتها؟

ثقافة 2024/10/16
...

جاكلين سلام


هل كانت صاحبة نوبل في الأدب الكاتبة الكندية أليس مونرو خائفة من أن تتشوّه صورتها الشخصية أمام القرّاء وهي حية فخانت ابنتها؟ وهل كان محتملاً أن تخسر جمهورها العريض في كندا والعالم وتنخفض المبيعات والدعوات والجوائز فآثرت الصمت بخصوص قضية التعدي الجنسي على ابنتها الصغيرة من قبل زوجها الثاني؟ وهي التي حذفت تلك الواقعة من كتاب سيرتها البيوغرافية التي يعرفها كاتب سيرتها والناشر وأفراد الأسرة.

الشهرة الأدبيَّة والخيانة

 وتناقض الكاتب مع رسالته

وقرأت في مصادر كندية أنَّ ثروتها وأملاكها من الجوائز ومبيعات الكتب والحوارات تقدر بـ20 مليون دولار كندي. أسأل: من هو الأهم، سلامة البنات والأولاد أم الثروة والشهرة أم الخوف من العار الاجتماعي؟! وهذا يطرح أمامي تداعيات كثيرة عن الجانب الأخلاقي لرسالة الكاتبة أو أي كاتب في العالم، وإلى أي مدى يمكن الفصل بين رسالة الكاتب وسلوكه على أرض الواقع؟ إذ كيف يمكن أن تتحدث كاتبة عن العدالة والإنسانية وحقوق المرأة في امتلاك جسدها وفي الآن ذاته تُغمض عينيها وقلبها عن معاناة ابنتها التي من لحمها ودمها وتفضل حماية المعتدي (الزوج الثاني- وليس الأب البيولوجي) على جسد ابنتها الصغيرة البالغة 9 سنوات؟ فهل هي الأنانية، وهل هي الازدواجية الفكرية والمصلحة الشخصية؟ بل تقودني للسؤال: هل كل الأمهات حاضنات للبنات بحب وبلا قيد وشرط؟!

قرّاء من العالم العربي قرؤوا شيئاً لكاتبة كندا الوحيدة التي حازت جائزة نوبل للآداب عام 2013، القاصة الشهيرة أليس مونرو، والتي توفيت في مايو 2024. وكان الاحتفاء بذكراها ومآثرها الإبداعية يفوق الوصف في كندا إلى أن فجرت ابنتها قنبلة أطاحت بتلك الصورة النقية لكاتبة تناولت حكايات النساء والفتيات والخيانات وتفاصيل المنطقة الجغرافية التي كانت تقيم فيها في اونتاريو كندا لفترة من الزمن. ماذا حصل ولماذا؟ 


الفتاة أندريا سكينر مونرو تتعرض للتعدي الجنسي عدة مرات من قبل زوج أمها

البنت الصغرى لأليس مونرو أخبرت الصحافة الكندية بسرها ومعاناتها وموقفها من والدتها ومقاطعتها لها بعد شهرين من وفاتها عبر رسالة إلى صحيفة “تورنتو ستار” الكندية وعبر تسجيل فيديو وثائقي سجلته أختها الأخرى. محتوى التسجيل يشرح الأثر النفسي والكآبة والعصاب الذي حل بالضحية الابنة (اندريا سكينر/عمرها 49) الذي تركه عليها حادث التحرش الجنسي الذي تعرضت له الابنة حين كان عمرها 9 سنوات عام 1976، وحين كانت قادمة لزيارة والدتها. 


سيرة عائلية وقفزة من الفقر إلى ثروة

 تقدر بـ20 مليون دولار

في حوار مع أليس مونرو جاء التالي: الزوج الأول تعرفت عليه في السنة الأولى في الجامعة حين كانت في المكتبة وكان الشاب هناك ومعه شوكولاتة، وقعت حبة من يده فالتقطها ولم يأكلها. كانت مونرو جالسة هناك فأخذت الشوكولاتة كما اعترفت للمذيعة (صوت وصورة) بأنها كانت جائعة ولم تكن تملك ما يكفي لسد الرمق في تلك الفترة. وتطور الحديث بينها وبين زميل الدراسة، وبعدها حصل الزواج وأنجبت منه أربع بنات توفيت واحدة منهن بعد الولادة.

تزوجت أليس مونرو ثانية وعاشت مع زوجها الثاني وهو فنان كندي وشاعر وأكاديمي إلى أن توفي عام 2013. عاشت معها في نفس البيت ابنتاها (شيلا وجيني)، بينما ذهبت الأخرى (اندريا سكينر) للعيش مع والدها في فانكوفر، وكانت تزور بيت أمها إلى أن حصل الاعتداء الجنسي من قبل الزوج الثاني للكاتبة حين كانت خارج البيت. 

أخبرت الابنة (أندريا سكينر) والدتها عن التحرش الجنسي حين كانت 25 سنة، ولم تفعل الأم شيئاً بل أعلنت حياديتها وبقيت مساندة لزوجها. بل أحالت القصة إلى خيانة البنت لها واعتبرت أنَّ تلك علاقة بين البنت وزوج الأم وهي لا علاقة لها بالأمر. -كما جاء في مقال الابنة-

كانت الأسرة والأخوات على علم بهذا السر وتم التكتم عليه رغم أنه أدى إلى مقاطعة البنت لأمها حتى موتها. تقول أندريا سكينر، بأنها أرادت أخيرا أن تضع قصتها تحت الأضواء الآن كي ترتبط بسيرة والدتها الشهيرة وهي بذلك تحث البنات على عدم الصمت في مثل هذه الحالات. شرحت في الفيديو معاناتها النفسية بعد حصول التعدي. 


لماذا لم تتكلم الابنة عن مأساتها

 قبل رحيل أليس مونرو

كما ورد في الصحف الكندية كانت هناك محاولات من قبل البنت لإيصال الخبر إلى الصحافة الكندية ولكن لا أحد اهتم بالأمر وأخذه على محمل الجد إلى أن رحلت مونرو وذلك لشهرتها الباهرة. وكل هذه التفاصيل كانت ستبقى محض شكوى ونكران لولا التحقق من أنَّ الابنة تقدمت بشكوى للبوليس وتم التحقيق من الأمر في محاكم في أونتاريو واعترف زوج الأم بالذنب (في 11 مارس 2005 كما جاء في الصحف) وأدين قضائياً بالبقاء تحت المراقبة القانونية لمدة عامين، وكان عمره حينها 80 سنة، وتوفي بعد ذلك بـ8 سنوات. الذي استغربته الصحافة في إنكلترا وكندا، كيف تم إخفاء الملف القضائي عن الأضواء.


الخذلان واستياء القراء من الخبر

 وتبعات القصة الصاعقة 

كان هناك صدمة ودهشة بالإضافة إلى الشعور بالاستياء العام من كون الكاتبة لم تأخذ موقفاً قوياً معنوياً يناصر ابنتها رغم ثبات التهمة على زوجها قضائياً ومن خلال رسائل بخط يده كان قد أرسلها حين اشتكت الابنة لوالديها وتم تقديم تلك الرسائل إلى البوليس، وجاء فيها أنه كان يهدد البنت بالقتل إذا فضحت أمره إلى البوليس. وجود ملف قضائي بهذا الموضوع في سجلات المحكمة الكندية ينفي الشك فيما إذا كانت البنت تدعي شيئاً لم يحصل بعد وفاة المؤلفة.

 جامعة ويسترن الكندية في أونتاريو تتخلى عن دعم منحة أدبية باسم مونرو


كانت مونرو طالبة عام 1949 وبعد فوزها بنوبل للأدب خصصت إدارة الجامعة كرسياً ومنحة دورية تكريمية لطلاب من الجامعة لتشجيعهم على تطوير مهارات الكتابة والتعليم الاكاديمي. وعلى إثر الخبر طالبت بعض الجهات بإزالة هذا الكرسي وتم ذلك فعلاً. يذكر أنَّ أليس مونرو ولدت وعاشت في مدينة (وينغهام- اونتاريو). وقامت بعض المكتبات العامة والخاصة بسحب البوستر والصورة الكبيرة للكاتبة من الواجهات. 

الكاتبة التي تحدثت كثيراً في قصصها عن الخيانات وعن حياة البنات والنساء خانت في البداية والنهاية رسالتها كأم وكاتبة لها أثر في التاريخ الأدبي والحضارة العالمية. ولا شك أنَّ مثل هذه القصص تحدث في كواليس بعض الأسر في الشرق والغرب، وهناك يتم تعنيف الضحية بدلاً من مناصرتها ومحاسبة الجاني. وتبقى رسالة الأديب في هذا العالم أن يكون عادلاً وإنسانياً في حياته كما في كتاباته، وإلا فقدنا العدل وعم الخراب الذي يأتي على يد الطغاة وسماسرة الكتب والسلاح والفلسفات التي تكرس العنف والاضطهاد الجنسي والقومي والديني.

كانت أليس مونرو قد طلبت من ابنتها (شيلا مونرو) كتابة سيرتها الذاتية لكن الابنة لم تتحمس للأمر، ولاحقاً أصدرت كتاباً على شكل مذكرات ومحطات تتكلم فيه عن العيش مع أليس مونرو. وصدر منذ عدة أعوام. وهذه سيرة تحتاج إلى إعادة كتابة على ضوء العنف المضاعف الذي وقع على الابنة. ذهبت إلى طلب الكتاب للاستعارة من المكتبة العامة في تورنتو، كان هناك قائمة طويلة من القراء الكنديين الذين يريدون العودة والنبش في سيرة الكاتبة التي خذلت ثقتهم وخسرت مكانتها العالية في قلوبهم. يبدو أنَّ كل فضيحة حول كاتب أو كاتبة تزيد من إقبال القراء على معرفة تفاصيل أكثر وقراءة الكتاب على ضوء المستجدات.