العدوان وموت الدبلوماسية

قضايا عربية ودولية 2024/10/20
...

علي حسن الفواز

تعني الحرب دائما خروج السياسة عن المنطق، والذهاب إلى ممارسة العنف والعدوان تحت أوهام الحصول على "النصر السريع" وفرض الهزيمة على الآخرين، فبقطع النظر عن إشكالية هذا التأطير وتوصيفه، فإن الكيان الصهيوني ارتكب حماقة الرهان على الحرب المفتوحة، وعلى خلط الأوراق، وعبر الرهان على دعم الولايات المتحدة والغرب في خياراته، وفي دعم سياساته في اصطناع الجبهات الساخنة.
ما يحدث في غزة وفي جنوب لبنان كشف عن بطلان هذا الوهم، وعن تحوّله إلى جريمة حرب وليس إلى حرب، إذ قام الكيان الصهيوني بخرق الخطوط الحمر، فكشف عن مأزقه الوجودي والأخلاقي، وعن عنصريته وتوحشه و"نازيته" وصولا إلى الاعتداء على قوات اليونيفيل الدولية في الجنوب اللبناني، فضلا عن منع الذهاب إلى أي خيار آخر من شأنه أن يُسهم بوقف شامل لإطلاق النار، والالتزام بقرارات  الأمم المتحدة.
هذه المعطيات دعت الرئيس الفرنسي ماكرون إلى التصريح بأن نشوء الكيان الصهيوني جاء بقرار من الأمم المتحدة، وهو ما دفع رئيس وزراء الكيان نتانياهو إلى مخاطبة الرئيس الفرنسي بعنجهيته المعروفة بأن "الدولة الصهيونية" لم تنشأ من الأمم المتحدة، وإنما جاءت عن طريق الحرب، وهذا اعتراف خطير يؤكد مرجعية الجريمة الصهيونية وعدوانيتها عام 1948، بقيامها بتهجير ملايين الفلسطينيين من أراضيهم، وفرض سياسة الطرد والاستيطان على الأراضي المحتلة وصولا إلى عدوان الخامس من حزيران عام 1967 واحتلالها القدس والجولان.
تصريحات ماكرون دفعت بعض أعضاء البرلمان الفرنسي إلى التنديد بها، وإلى مساندة الكيان الصهيوني في سياساته العنصرية، وفي عدوانه على المدنيين، وهو ما يعني الاستمرار في جعل الحرب كماشة النار، على مستوى فرض إرادة الاستعمار الجديد والليبرالية الجديدة، وعلى مستوى الاستمرار في دعم تسليح العسكرة الصهيونية، وقطع الطريق على الحلول الدبلوماسية التي تحاول فرنسا وضعها كجزء من حماية مصالحها في المنطقة.
ما يجري من خلط فاضح للأوراق والسياسات يكشف عن أهداف تخص خارطة ما يسمى بـ"الشرق الأوسط الجديد" ومشروع "الإبراهيمية" التطبيعي الذي تدعمه  الولايات المتحدة، بوصفه مشروعا يعزز وجود الكيان الصهيوني في هذا الشرق الغامض، حتى تحولت منصات الرئاسة الأميركية إلى أبواق مفضوحة لتمثيل هذا التسويق وأهدافه الأمنية والسياسية والأيديولوجية، وربما التنسيق اللوجستي الذي يجعل من "الحرب" فرصة للصهاينة لمواجهة قدرات جبهات المقاومة، ولاغتيال الرموز السياسية والجهادية التي تعرف أسرار التعالق بين الكيان الصهيوني والولايات المتحدة.