حاتم حسين
حينَ اختارت طريقها.. اِنقلبت على ذلك الحلم.. في لحظة قرار..؟ ما كان يعرف ما الذي حدث؟ لكنّ الأيّام كشفت له ما كان خفيّاً، كانت تتحرك من أجل مصلحتها فقط .لكي تَحسمَ الأمر معه. وتُبرّأ ساحتها، وتتّهمهُ هو؟ هذا كُلّ ما في الموضوع باختصار، فهل هذا جزائي يارشا؟ قالها بمرارة بينما كانت ذراعه اليسرى وكأنّها مخدّرةٌ، حاول أنْ يفتح أصابع كفّهِ، خدرٌ فظيعٌ.
ربّما شلّت ذراعه، هكذا قال الطبيب: إنّ الألم نفسيٌّ وعصبيٌّ. حاولِوا أن تعرفوا سرَّ ألمه. إنّه يعيش حالةً فريدة، لا أقدر على التكهّن بها إلّا تحت المُراقبةِ الشديدةِ. انزوى في زاوية الغرفة يتمتمُ باسمها.
قال الطبيب: إنّه يحتاج إلى جرعة مُهدّئة. وحين شنّفوا أسماعهم، لم يدركوا من هي صاحبة الاسم التي كان يهذي بها طول الوقت، اِختلاط ذهني كسيّارة فائقة السرعة صدمته، وأدمته وقطّعت أوصاله، ليس هناك تفسيرٌ لما يجري حوله؟
كان المكان مزدحماً بأشكال من البشر في غاية السعادة، طابور أخذ يتجمّع عليه من نساء ورجال، عيون تومئ إليه بكلمة (خطيه اشبي) عيونهم مثل أصدافِ البحار، وأصداف النجوم التي تبرق في السماء لعلّها نفسُ العيون التي أحرقت أثواب العروسة التي حلِمت أن تُزفَّ إليه في يوم خريفيٍّ .هذا جزائي يارشا؟ تمتم باسمها كانت كاميرات المراقبه تسجّل، وتدرس حركات المريض.
(كوفان) ولم يكن اسمه الحقيقي الذي يرفض أصدقاؤه إلّا أن ينادوا عليه بكوفان.
قالوا كوفان (اسم حلو). سنبقى ننادي به، اِنتشر حول قاعة العرس حرسٌ ورجالُ أمنٍ، وسيّارات للإسعاف وسيارات الدفاع المدني لكنّ جميعها لن تجدي نفعاً مع هذا الذي يحترق في الداخل؟
في الداخل أطفال، وبنات ونساء ورجال كانوا غارقين بلهيب النار. ولم يقدم على إطفائهم أحد. كان الجميع يحترق. والجميع في حالة ذعر، البعض يصوّر، ويحاول نشر الخبر، وينثر الأحداث على مسامع الدنيا.
كانوا ينشرون الخبر بصور موثقة من أن الذي مات جاء يحمل هدية ليُهنّئ قريبته، عشرةَ جُثثٍ من أقرباء الدرجه الأولى. لم يكن الأمر صدفة أن يموت هذا العدد؟ المسألة برمَّتها تحتاج إلى تحليل؟ ما زال المحلّلون قابعين وراء أجهزتهم يُكبّرون الجراثيم. يتلمسون أقدام صاعقةٍ، وساحقة تدوس على قلوب البشر قبل أن تدوس على رؤوسهم. الجميع يُحاول تبرئة موقفه مثل (رشا طاهر) التي كانت السبب وراء انهيار هذا الحلم المهول؟ كان من مصلحتِها أن تَحسم الأمر معه، وتدخل عشّ الزوجية تاركة أحلامه تحترق.. كلُّ شيء بدا يحترق أمام عينيه. لم يبصر سوى ذكرياته الأليمة، وهي تحترق. الغيوم السوداء غطّت المكان، تشظّت شظاياها بين أرجلهم، كان رجال الدفاع في محاولاتهم اليائسة يحاولون إنقاذ الموقف؟
لكنّ خراطيم الماء لم تصل إلى الأعماق لِتُطفئ هذا اللهب. لعلَّ سبب هذا اللهب هو عيون امرأة نظرت بطرف عينيها الى ثوب العروسة، فأوقدت النيران في أطرافه. كان المكان محاصراً. وماذا يجدي الحصار يا رشا، وحبيبك تلسعه النيران، ويموت ويحترق في الداخل. حين نهض. حاول أنْ يفهم، وهو يرفع حاجبيه لاستيعاب الحدث؟ أليست هذه هي الدنيا التي نحترق فيها قبل الآخرة؟ أو بالأحرى لِما نحترق، ونتشظّى، فالمسألة كلّها بحاجة الى تفسير (يا رشا). كان يمكن أنْ ترفعي سماعة الهاتف بكلِّ بساطةٍ وتخبريه بكبرياء بأنَّ الرحلة انتهت؟ وأنّ خياراتنا أكلتها الذئاب البريّة، وما تبقّى للوفاء شيءٌ. مع أنّه كان يحمل بحسّه المرهف النابض، بأنّ الطريق إليها حافلةٌ بتعرجات كثيفةِ الغيوم، وهي تحدّتهُ بقسوة. وبجبروت امرأة ثكلى. تذكّر أنّه ليس بنائم. لكنّه كان يهذي من شدّة الألم حين يقف خاشعاً مع دخول الصلوات في أوقاتها ، وكلّما كبّر المؤذّن، وما زال يدعو الله أنْ يحقّق له المستحيل، ويمنّي النفس بأنّها سوف تتصل به يوماً، وتكتب له. لكنّها لم تكتب له. ليس سهلاً أنْ تكتب رشا طاهر. وأنْ تُطفئ آهاته. بل كانت تريد في كلّ يوم بل وتسعى أنْ تجعل منه ذكرى. أنا قلت في بادئ الأمر، المسألة كلَّها بحاجة الى تحليل. وأيّ تحليل وصلت إليه يا حبيبتي. هل عيونك ما زالت مُتحمّسةً لرؤية الفراشات. وهي تتقلّب تحت بقعة الضوء التي تحت المجهر؟ تلتمسين له عذراً لكي يفصح؟ فالكوابيس تنفذ الى عقله الداخلي. تباغته في لحظة وهجٍ. مثل مسلسل تذكّر منه آخر المشاهد. حين رآها في أحضانهِ. وكيف رأى فسفورة تلّمعُ بين أصابعِها.
كانت رشا طاهر (مخطوبة) في أوجّ تحقيق أحلامها. غارقةً في تلك السعادة التي تسعى للقبض عليها.. الوضع كلّه بحاجة إلى تفسير؟ لا يوجد تفسيرٌ منطقي، كيف تخلت عنه! بتلك السهولة، فالتفسير يكِشف مُعدّل كفاءتنا وصبرنا. وهشاشة مواقفنا وأوجاعنا واحتراقنا من الداخل. بحاجة إلى تفسيرٍ منصفٍ، وعقلاني لا يضطر من خلاله الآخر على الاعتكاف والصمت والعزلة والوقوع في أحضان التوحّد.. فلم يصل الى ترميم ما كان بينهما، فالعلاقة قد انفصمت عراها.. انفصمت عراها.. حتى احتار الطبيب.