الضياع الرهيب

ثقافة 2024/10/22
...

 بغداد: الصباح

تسرد رواية "وحوش بلا وطن" لأوزودينما أيويلا وترجمة حيدرة أسعد، كيفية تجنيد الطفل في دولة غرب أفريقيا في واحدة من العصابات القتالية أثناء الحرب الأهلية. وعبر الأحداث يصبح الصغير عُرضة لتحديات قاسية وخطيرة وتقلبات مصيرية عبر أعوام موجعة  فيقرر أن يصبح طبيباً حتى يتمكن من التكفير عن خطاياه في ارتكاب الكثير من الجرائم بإنقاذ الأرواح. مزج أيويلا في صوت الطفل، الذي لا يفارقنا أبداً، صوت اليتيم بكل البراءة الممكنة، الذي لا مفر من التعاطف معه، بصوت القاتل الجزار الذي لا يرتوي ظمأه إلا بالدم، والذي لسوء الحظ، لا مفر من التعاطف معه هو الآخر. مزج صوت الشاعر الطفل، إذ يقتنص لحظات المعنى في الديجور والشظف والجوع بصوت الصديق الوفي الشجاع والفتى التواق لتقمص الرجولة.
في الفصل الأخير من الرواية، يروي "أغو" في عالم خيالي قصة إعادة تأهيله، وخلاصه من الضياع الرهيب: أتحدث كل يوم إلى أمي. أمي امرأة اميركية بيضاء جاءت إلى هنا لتساعد أمثالي. أسنانها صغيرة جداً ولسانها طويل جداً بالنسبة لحجم فمها، لذلك تتحدث من خلال أنفها، لكن أنفها صغير جداً، لذا يصعب علي أحياناً، أن أفهم ما تقوله. في أغلب الأوقات لا تتحدث أمي، بل تجلس أمامي على
كرسيها.
تجلس على كرسيها وأنا أجلس على كرسيي وتستمر بالنظر إليّ كما لو أن النظر إلي من شأنه أن يساعدني. تطلب مني أن أتحدث وأتحدث وأتحدث، وتظن أنني لا أتحدث لأنني مثل الأطفال الصغار. إذ كانت تظن أنني طفل، فلن أتحدث لأن الاطفال لا يستطيعون ذلك. ولكن في كل مرة أجلس معها أتخيل نفسي رجلاً عجوزاً وهي فتاة صغيرة لأنني قاتلت في الحرب أما هي فلا تعرف ماهي الحرب. بعدما أقول كل هذا تنظر إلي وأرى قطرات ماء في عينيها. لذا أقول لها: إذا أخبرتك بتلك الأشياء فستظنين أنني وحش أو شيطان. لا تقول أمي شيئاً حين أخبرها بذلك، لكن قطرات الماء تلمع في عينيها. أقول لها: حسناً. أنا كل ذلك. أنا كل ذلك، ولكن كانت لدي أم ذات
يوم. وكانت تحبني.