الإنسان ذئبٌ للإنسان

الصفحة الاخيرة 2024/10/24
...

طه جزاع

في العام 1795 م ينشر الفيلسوف الألماني إيمانويل كانت كتابه " مشروع السلام الدائم " الذي دعا فيه إلى اِنشاء حلفٍ بين الشعوب، وهو السبيل الوحيد للقضاء على شرور الحروب وويلاتها، وبَسَّط في مواده الشروط الضرورية التي تجعل انتهاء الحرب ممكناً.
ومثلما للسِلم دعاةٌ ينطلقون من
فكرة مفادها إن الإنسانَ مدنيٌ
بالطبع يميل للسلام مع أخيه الإنسان، وهي مقولة سائدة من أرسطو إلى
إبن خلدون، فإن هناك من الفلاسفة، وأبرزهم الانكليزي توماس هوبز يرون أن الحرب هي الحالة الطبيعية للبشر، وبأن الأفراد في حالة حرب الجميع ضد الجميع، وإن الإنسانَ ذئبٌ للإنسان وفق تعبيره.
وذلك يعيدنا بل يذكرنا بعض الشيء وان اختلفت الرؤية بالفيلسوف الاغريقي هيراقليطس الذي قال منذ القرن السادس قبل الميلاد إن الحربَ ملكٌ للجميع وأبٌ للجميع، وأنَّها ربَّةُ الأشياء، انطلاقاً من فلسفته في الصيرورة التي تنظر للحرب على أنها أصلٌ لجميع الأشياء، والمُحَّرِك الأساس للتقلبات البشريَّة، وهي جزءٌ من النظام الطبيعي للأمور، وما الحياة البشرية بحد ذاتها إلَّا حرب دائمة،
ولكن يجب أن لا تقوم على العنف غير الضروري.
وقد تركت هذه الرؤية أثرها في تاريخ الفلسفة اللاحق وصولاً إلى هيغل الذي عزا للحرب مهمة الحفاظ على الصحة الأخلاقية للشعوب وباعثة على التجديد المستمر، بل إن فساد الأمم كما جاء في كتابه فلسفة القانون" قد يوجد نتيجة لحقبة طويلة من السكون، أو لحقبة طويلة من السلام".
يتوارى ذئب هوبز خجلاً أمام فظائع عصر الحريات وحقوق الإنسان. عصر الأمم المتحدة، الحلف الذي طالما تخيله الفلاسفة لانهاء مآسي الحروب وبشاعات الذئب الذي داخل الإنسان.