استذكار سينمائي ونظرة نقديَّة ومقترحات

ثقافة 2024/10/28
...

  رضا المحمداوي

في البدء لا بُدَّ من الإشارة إلى أن مبادرات رئيس الوزراء المهندس محمد شياع السوداني، التي تخص دعم السينما والدراما التلفزيونية، جاءتْ لتؤكد الأهمية والضرورة التي تحظى بها هذه الفنون الجماهيرية، كما أن عملية إطلاق هذه المبادرات من جانب آخر،  تشير إلى أن هنالك أزمة تعاني منها هذه الفنون وخاصة أزمة المشهد السينمائي العراقي، التي نحن الآن بصدد الحديث عن  بعض جوانبها، في ضوء مبادرة رئيس الوزراء لدعم السينما، واللجنة المركزية التي شكلتها وزارة الثقافة، لغرض وضع الهيكلية التنظيمية والإدارية التي ستأخذ على عاتقها وضع الخطة الإنتاجية لهذه المبادرة، وتبويب عناوينها وصنوفها الفنية، وبالتأكيد ستكون الوزارة ولجنتها المركزية المُشكَّلة بأمر وزاري مسؤولة مسؤولية مباشرة عمَّا ستؤول إليه هذه المبادرة وميزانيتها الإنتاجية من أعمال ومنجزات سينمائية .
وللتذكير لا بُدَّ من العودة إلى بداية هذا العام 2024 حيث تم إطلاق مبادرة إنتاج سينمائي أثمرتْ عن إقامة (مهرجان بغداد السينمائي) بميزانية قدرها مليارا دينار ومن ضمنها تم رصد ميزانية إنتاجية قدرها 300 مليون دينار لإنتاج عشرة أفلام جديدة، توزعتْ بين الفيلم الروائي القصير والوثائقي والأنيميشن..
والسؤال هنا ما الذي بقي من المهرجان؟ ومن المبادرة؟
ومن الأفلام التي أنتجتها؟  
وقبلها دأبتْ دائرة السينما والمسرح على إقامة مهرجانها السينمائي السنوي بما عرف(أيام السينما العراقية) لكن هذه المواسم الإنتاجية لم تفلح عن إنتاج سينمائي متميز، وفي ذكرى عيد السينما العراقية السنوي لهذا العام اختفى الموسم السينمائي السنوي وغاب حتى الاحتفال في عيد السينما العراقية.
وأحسبُ أن مثل هذه الظواهر والسلبيات تشير إلى خلل تنظيمي وتقصير إداري في الاهتمام بأجندة السينما العراقية، و يعتبر التوقف عند هذه الظواهر والسلبيات خير مناسبة للإعلان عن حاجتنا الماسة للمراجعة النقدية والتقويم والتقييم لواقع السينما لدينا، ومحاولة البدء بتصحيح مسارها الفني الذي يعاني من العديد من مظاهر الإخفاق والتعثر وعدم وضوح الرؤية لدى الجهات الحكومية العليا صاحبة القرار الثقافي وكذلك لدى الجهات المعنية بالإنتاج السينمائي.
الجانب الكبير من أزمة السينما لدينا يتمثل في قلة الإنتاج السينمائي وشحة الميزانيات الإنتاجية المخصصة للأفلام مع ما يرافقها أحياناً من سوء الاختيار والتخبط في تناول الموضوعات ومعالجتها، وهذه القلة والشحة الإنتاجية قادتْ إلى محدودية النوع السينمائي المنتج سنوياً والمقتصر على الفيلم الروائي القصير وبعض أفلام الرسوم المتحركة (الأنيميشن) مع عدم وجود خطة إنتاجية جادة في معاودة إنتاج الأفلام الروائية الطويلة التي نريد لها أن تكون حاضرةً وتحمل معها الملامح البارزة والمُميّزة للسينما العراقية لتخوض غمار التحدي في الميدان الحقيقي للسينما حيث التواجد والحضور في صالات العرض الجماهيري ومواجهة شروط ومتطلبات شباك التذاكر، وهذا الأمر يتطلب إعادة النظر بالمواصفات الواجب توفرها للأفلام المرشحة للإنتاج السينمائي وتحديد(الجدوى)أو(الحاجة) أو (الضرورة الفنية) أو(الغاية) من وضع هذه الأفلام في الخطة الإنتاجية، وقبل هذا كله دعونا نتساءل: هل لدينا طموح فني أو نيّة صادقة أو تخطيط مبدئي أو خطة إنتاجية جادة واضحة ومحددة لمشروع السينما العراقية المستقبلية أم إننا نبقى في إطار الفعاليات والأنشطة والمناسبات السينمائية والتي غالباً ما تأتي في صورة (اسقاط فرض)، أو (تسجيل حضور) ليس إلاّ والذي لا يحمل معهُ أية مقوّمات أو مرتكزات العمل السينمائي المؤسساتي الذي يتبنى الشروع بالبناء والتأسيس لسينما مستقبلية تحلم بها وتطالب بها الأجيال الفنية الحالية والمقبلة؟.
إنَّ غياب فكرة المشروع السينمائي العراقي الجديد ليس وليد السنوات القليلة الماضية، لكنه كان مشروعاً غائباً طوال السنوات العشرين الماضية التي أعقبتْ الاحتلال الأميركي للعراق وسقوط النظام الصدامي عام 2003، ولا تُخفى أسباب ذلك فثمة جهل ثقافي أعمى ونظرة فنية متخلفة وقاصرة في النظر لهذا المشروع  وتقصير واضح في البدء ووضع اللبنات والأسس والركائز الفكرية المؤسسة له، فضلاً عن تقاعس وكسل وخمول يحولُ دونَ العمل على تأسيسه من خلال وضع الخطط والآليات الإنتاجية الكفيلة بتحقيقهِ داخل منظومة العمل السينمائي الميداني.
وفي حال التفكير بمثل هذا المشروع والعمل على تحقيقه ضمن خطة سينمائية مستقبلية طموحة، فينبغي أن يتزامن ذلك مع البدء ببناء ووضع الهيكل الإداري والتنظيمي الجديد الذي اقترحه بعنوان(غرفة صناعة السينما)أو(هيئة السينما) المركزية في وزارة الثقافة نفسها لتكون مؤسسة قائمة بذاتها تتولى التنظيم والإشراف الدائم على جميع شؤون السينما من إنتاج ومهرجانات وإصدارات وبشكل سنوي ثابت وبصيغة عمل مؤسساتي بعيداً عن العشوائية والمزاجية المتقلبة والعمل الارتجالي المؤقت مع التأكيد على الخبرة والتجربة الإدارية والتنظيمية المتراكمة التي تحافظ على الجهود من الضياع والتشتت، لا أن تلعن كل لجنة إدارية أسماء اللجنة التي سبقتها وتذهب الجهود هباءً، لنرجع لنؤسس لجنة جديدة ونقترح الأسماء المُكرَّرة والمُعادة والتي أثبتتْ التجارب والإنتاجات أنها لا تحمل في جعبتها ما يداوي جراح السينما
العراقية.