حين تكون الأيام شاهدة على الغفلة

ثقافة 2024/10/29
...

   جبّار الكواز


حين رأيتُها

منذ سنواتٍ مضتْ

كانت خطاها حلما استيقظتْ غاباتُه لتغنيَ 

أغانيَ الرمادِ.

.. لم تكن تمسكُ قمرَها وهو ينازعُها بأوراقِها البيضِ.

لم توقدْ أفقَه بالإشارةِ.

وكان الزمانُ لابداً بين

 خطاها

وهي تمشي على استحياءٍ،

كانت قصائدُها تمشي معها

وهي تنبعُ مهمومةً

من  أصابعِها.

وكان الدربُ يبتسمُ

 وهي في توجّسها توقدُ غيومَها بالخوف

وكانت سبابتُها تنقرُ صدرَها

في خفةٍ 

فتنهالُ أوراقُها البيضُ بلا إذن منها،

 وهي تبتسمُ لها...

-أين مضى زمانُنا؟!

-في زمنٍ خاتلٍ خلف عينيكِ،

-لا تخفي ابتسامتي فكلّما رأيتُكِ أطلَّ منها 

كونٌ قلقٌ. 

وسراجٌ ينير ظلماتِنا بالوردِ

 والعشبِ

 والمطر.

- الأورادُ تنحني لها كلّما مرّتْ أمامها، 

هي في هدوئها 

وأنا في عُجالتي

- أتعرفُنا البابُ؟!

- جيدا

 ستؤشرُ لكم وتهمسُ كلّ حين

فلا تستغفلا لجلجةَ لقائهما

- أنا خائفٌ من الانتظار

وأنتِ خائفةٌ أكثرَ منّي.

-والعشبُ؟!

-العشبُ مازال متوجّسا من اخضرار كفّيها بعد أن يبسَ الفراتُ في ناقوطِها.

-والبئرُ؟!

-البئرُ ظمآنٌ

 فلطالما سمعنا دلاءَه تبكي كلّ فجرٍ.

-وأنتِ؟!

-أحلمُ بكَ وأزجّي حلمي بالصمتِ.

-بالصمتِ؟!

-صمتُ جمالكِ يدفعُ صمتَ أحلامي في دفترِ

زوالي. 

-كيف أواجهها بصمتِ كلماتٍ

تفتحُ فجرَ فرحي كلّ لقاءٍ؟!

كانت تخطو...

وسطَ زحام جمالِها وتنهّداتِ فراديسِها.

كنتُ واقفا في ركنٍ قصيّ

أعاتبُ نفسي على النسيانِ.

وهي تمشي وجلةً أمامي

على استحياءٍ،

وحينها مرقتْ روحي خلفَها 

وأنا أقودُ أغنامي إلى خيمةِ الرعاع في أسفارِ (موسى).

لم تعدِ الابتسامةُ تكفي احتمالَ صحوةِ جمالِها

وسموِّ صمتِها.

والأيامُ تسيرُ ببطءٍ

 خلفَها

كنتُ مذهولا أبحثُ عنها بين أصابعي،

كلما مرّت  أمامي.

أحقاً أنّ أيامي منقوعةٌ بالانتظار؟! 

أهي من أولمتْ حروفي مظلةً لها؟!

- لا مظلةَ في المدينةِ الّا خطاها.

- وأنا؟

-أنتِ؟!

-أتراني أمشي خلفَها منذ سنواتٍ وهي لمّا تكنْ هناااك؟!

- ما كانتْ تُرى إلا في مخيلتِكَ،

-حين أسمعُ أغانيَها ترقصُ نخلةُ بيتِنا وتشيرُ لاهثةً بسعفِها لها.

-أين هي؟

-هنالك ألا تراها؟!

-أما زلتَ تنتظرُها منذ سنواتٍ ؟!

-نعم..

-هي ما زالتْ تخطو نحو روحي

 فتقفزُ حدائقٌ وفراديسُ

 وغاباتٌ من  خطى يائسةٍ

 من أفولِ جمالها.

-وقيلولتي؟

-اِنتظرْ أوانَها وأدعُها تنأى.

- لكنْ مفتاحُ بابِ قيلولتي سرقَه الجنُّ منذ سنواتٍ.

-تعالَ...

تعالَ...

-هاهي قادمةٌ.

-اين هي لأراها؟

-في صومعةِ المكتبة الوطنيةِ تقرأُ شعرَها على ملائكة (عبقر)،

ما زالتْ تخطو باستحياء،

ما زالت بسمتُها تنبتُ مطرا وسلاما

فتعالَ.. معي إليها..

-لا تبقَ صامتا جامدا.

-سيسرقُها الغروبُ منكَ.

- لا انتظار لكَ معها 

لا شمسَ ستغويكَ.

لا قمرَ سيسهرُ معكَ

ولا دموعُك تُدنيكَ منكَ

-سانتظرُها 

 أنا الذي لم أرَها،

-ستأتيكَ على غيمةٍ 

من نورٍ ومطرٍ وسلامٍ

-متى؟!

-قبل أن يرتدَّ طرفُك اليكَ.

في ليلةٍ مترعةٍ بسهرِها

ستقرعُ بابَك يوما

اِفتحْها

وحينَها لا ترى غيرَ قمرٍ وسماءٍ

 وأفقٍ غارقٍ بالضبابِ والدخانِ.

-وهي...؟!

-في كلّ شيءٍ تكونُ....