بغداد: نوّارة محمد
شاعر يُثير انتباهك إذا ما قرأت له قصيدةً هنا أو هناك لكنه يتلبسك إلى حدّ التعلّق ما إن تتورط في قراءة شعره في ديوان.
وُلد الشاعر عبد العظيم فنجان عام ١٩٥٥، انحدر من مدينة الناصرية وولع بالشعر ما إن بلغ الثانية عشرة من عمره. لا ينتمي إلى جيل شعري معين، وليست لديه عصبة شعرية ينتسب لها، لكنَّ إسهاماته الثقافية جعلته في مقدمة رواد الشعر.
عبد العظيم فنجان الشاعر الذي تُرجمت قصائده إلى الإنكليزية والإسبانية والفارسية والألمانية، له دور فعال في المشهد الثقافي العراقي يبدو واضحاً من خلال إسهاماته في الصحف والمجلات العربية والعراقية وهو عدا هذا وذاك صاحب نتاج أدبي سواء في المخطوطات الروائية أو المجموعات الشعرية.
يعتقد فنجان أنَّ كتابة الشعر لا تحتاج إلى الانضمام إلى فئة معينة، إنها الجنوح الأمثل نحو الوحدة: “أعتقد أنَّ كتابة الشعر في الذات تحمل جنوحاً نحو الوحدة، أنا لا أعرف كيف وجدت خارج السرب، ربما بسبب أسلوبي الشعري أو منطقة الكتابة، أو ربما لأنني أعتقد أنَّ كتابة الشعر محاولة فردية أو هي نشاط فردي لا يحتاج إلى مؤازرة من مجموعة، أو دين أو طائفة، إنني أستغرب هذا الاستقتال نحو المنصة، هذا التزاحم نحو الشهرة والنجومية ولا أميل إلى أن أكون مكشوفاً أمام أنظار العالم لمجرد أني شاعر.”
فنجان الذي صدرت مجموعته الشعرية الأولى (أفكّر مثل شجرة 2009) لتتوالى بعدها إصداراته (الحب حسب التقويم البغدادي 2012)، (الحب حسب التقويم السومري 2013)، (كيف تفوز بوردة 2014)، (كمشة فراشات 2016)، (الملائكة تعود إلى العمل 2019)، تحدّث لـ”الملحق الثقافي” عن بدايته مع الشعر: “قرأت الشعر بعمر مبكر وحفظت القصائد عن ظهر قلب لكنّ القفزة الباهرة في كتابة الشعر حدثت بعد مشاهدتي الأولى لفيلم (زوربا اليوناني) حيث تعرفت مبكرا على ثنائية الجسد والروح وعرفت أنَّ الرقص وسيلة للتعبير، وأكاد لا أنسى أنني كتبت أول قصيدة في عمر الثانية عشرة ومن هناك بدأت عزلتي وبدأت اهتماماتي الأخرى تظهر تلك التي لا تشغل الصبيان والفتية من أبناء جيلي، وكوني قد حظيت بفرصة أخرى جعلتني أحب الشعر أكثر وأعرفه عن قُرب، وهي مقهى والدي فنظرتي تفتحت من هناك وأخذت ألتقي مختلف الشرائح النخبوية والمثقفة والعامة وتعرفت على ميولي وبدأت أنضج ببطء.”
الحروب التي شّكلت وعي فنجان وأيقظته على محنة وجوده في هذا العالم مواجهًا الموت جعلته ينشر أول دواوينه الشعرية، “أفكر مثل شجرة” فهو يعتقد أنَّ الشعر يولد من المعاناة: “يتحول الشعر إلى حالة تجسد الواقع وربما مادة الشعر الأزلية، شعلته، ناره وجمرته. والـ “هم” هنا ليس ضميرًا للجمع، بل هو مجاز عن حالة، وضع أو موقف، غالبًا ما يجد الشاعر نفسه يترجم ذلك بشكل أو بآخر.”
ويرى عبد العظيم فنجان أنَّ التهافت على الشهرة والصعود إلى المنصة أمر لا يثير اهتمامه وهو ليس بحاجة إلى التفاعلات المليونية فهو شاعر وليس مهرّجاً وربما هذا سبب استبعاده من المهرجانات والدعوات التي يتهافت عليها الجميع: “عربياً وعراقياً، الفعاليات الثقافية تسير وفق العلاقات. العلاقات مبدأ. وهذا مرض نجده واضحاً في مواقع التواصل الاجتماعي، وقد تسرّب إليها من تقاليد الثقافة العربية، إذ لا أحد يدعو أحداً ما لم نشم رائحة مصالح شخصية، وهذه المصلحة تتركّز في الإطراء والإعجاب، وأصبح نيل لقب أديب أو شاعر وقاصّ مرتبط الآن بجُملة عوامل، أهمها العلاقات، فإصدار كتاب، مهما كان رديئاً، يُعدُّ كافياً لأن تكون أديباً، ما دمت على علاقة وئام مع الطرف المتنفذ، وبالتالي فإنَّ دعوتك إلى المهرجان الفلاني تأتي في السياق نفسه: (شيلني وأشيلك) يحدث هذا بالإضافة إلى نيل الشهرة وعقد صفقات حتى مع الجمهور الناقد، الترويج للكتاب أيا كان يعتمد على العلاقات المزيفة”.
ويضيف: “أنا شاعر لا يساوم على مجد الكلمة، ولن أجامل على حساب النوع، لا يردّ على تعليق مجامل بمجاملة، ولا يكتب إلا ما يثق فيه، فكيف أكون مدعواً إلى مهرجان لست على صِلة اجتماعية أو منفَعية بمنظّميه وبمعظم مدعوّيه؟”.