عبد الهادي مهودر
صدَقت توقعات هيأة الأنواء الجوية لكن هطول المطر تأخّر إلى حين عودتنا من قضاء هيت إلى بغداد ليلاً واستمر حتى الصباح ، ولم يتزامن مع حديث الخميس عن بكائية الشناشيل ومفردات البؤس في شعر بدر شاكر السياب، تلك الأمسية التي قضيناها برفقة مجموعة أصدقاء من زملاء المهنة لنستمع إلى محاضرة للناقد المغترب والمقترب حسان الحديثي وتقديم الدكتور طه جزاع، برعاية من اتحاد أدباء وكتاب هيت وبمقر منتدى شبابها، وقد اعترضت في داخلي على (البكائية والبؤس) في عنوان الأمسية، فموسيقى قصائد السياب تعلو حزنه وحين قرأنا انشودة المطر طلاباً صغاراً كانت تبعث فينا الفرح كهطول المطر، قبل أن نشعر بمعنى المطر في قلب السياب، والمعنى بقلب الشاعر الذي لم يأخذ من حياته غير المرض والحب من طرف واحد، حب المتيّم الناظر لحظة هطول المطر من تحت سقف بيت قديم إلى شناشيل ابنة الچلبي، هي اللحظة ذاتها التي ينزل فيها المطر على البائس الفقير وعلى الجمال والثراء والعشق
الممنوع.
نعم "قمرٌ واحدٌ يطل علينا"ومطرٌ
واحد يهطل لكنّ مطر الحزانى(غير) كما يقول أهل الخليج، وهو الذي لم يأخذ من جيكورغير حزنها ومن
منفى الرمادي غير آهات سوقها القديم ومن لندن كآبة الشتاء، ومن العراق الجوع والشمس والظلام والقلب
المحطّم ومن الخليج الردى، ومن العشق الصدود حتى مات كمداً ووحيداً يشعر بالضياع.
فلا ابنة الچلبي ولا لميعة ولا لمعان ولاحبه الأخير، ولولا ثلاثية المطر والمصيبات والملهِمات ماكان السياب، حتى انتهى به العمر غريباً على الخليج، في جنازةٍ لم يتخلف عن حضورها المطر.