بغداد: محمد إسماعيل
غانم حميد، مخرج مسرحي منسول من منائر النجف، قَدِمَ إلى بغداد نهاية الثمانينيات؛ ليغترف من هبات الثقافة المسرحية الرصينة.. أكاديمياً، كطالب إخراج في كلية الفنون الجميلة بجامعة بغداد، التي حال ما تخرج فيها، اِختطّ منهجاً لتعبئة الوعي الشعبي، بمسرحيات جادة، خالفت المسرح الكوميدي السائد آنذاك، حيث أخرج مسرحيات تناغمت مع وجدان المجتمع العراقي بفئاته كافة.. الهذيانات والمومياء، التي أقبل عليها جمهور عائلي أوسع مما يؤم المسرحيات الكوميدية.
وقال غانم لـ "الصباح": لو لم احترف المسرح كانت أمامي حظوظ.. مثلاً: كنت أسست فريقاً لكرة القدم وأنا صغير اسميته "الأصدقاء" أنا وأبناء محلتي، لكن رياح المسرح الغاضبة أتت وغيرت كل شيء، مكملاً: أهم عملين في حياتي، هما "المومياء" و"سن العقل".
ورجح: "لم استنفد تطلعاتي.. ما زال الأفق مفتوحاً على المدى البعيد بتجارب ذات أشكال مغايرة ونادرة، معلناً: من مهماتي الأساسية.. الممثل.. وأنا مخرج فحتماً يحضر المخرج وأنا أمثل، مبيناً: أبحث عن المؤلف الذي تفجر نصوصه مخيلتي الإخراجية والممثل الذي يلبي رؤاي، هما: الصادق.. المخلص.. المثابر.. المثقف، موضحاً: إلتقت عناصر الأداء متقاربة بين كسر الجدار الرابع في المسرح والميتاسرد في القصة، وقد حصل ذلك بقوة في قصة عبدالرحمن مجيد الربيعي عندما رويت قصته "مملكة الوعول" مسرحياً.
وأكد حميد.. بذرة النجف المغروسة لتنمو في بغداد: الدين والمدنية خطان متوازيان، في اتساق طردي متوالٍ، لكن في النهاية يرسم مبتغاه ويطرز رداءه بألوان يعلمها ويقصدها النجفيون، مجتمع ديني ومدني خطان متوازيان كما أسلفت، يلتقيان في أنطقة ويفترقان في أخرى، مضيفاً: في بغداد وجدت نفسي عجينة من ميول وانتماءات وصلوات واختلافات وعمق تاريخي عراقي سومريّ أصيل.. كل العوامل بإصولها وتواريخها هي التي كونتني وما عليّ سوى القطف. ولفت: تفاعلت مع الثقافة والمجتمع البغدادي، ولم أعد وافداً منعزلاً.. أصبحت بغدادياً بامتياز، منذ بداية الإقامة فيها؛ لأن بغداد عندما تعشق؛ تفي وتتبنى وتهب، مفيداً: المسرح سفينة الفضاء التي رست بيّ على كوكب بغداد قادماً من النجف.. سفينة ساحرة فيها كل الامكانات ولها فضل وجودي على شخصي؛ لأنها نقلتني بقدرتها إلى كل العالم وأهمها الرحلة إلى الذات واكتشاف مزاياها.
ونوه: لا أشبه أحداً.. تجربتي متفردة ومسرحيّ خاص، والدليل قوة أعمالي وإصرارها على الوجود دوماً وفي كل الأحوال، مواصلاً: لذا أنا نسيج وحدي ومحرك الظاهرة المسرحية التي تجلت إبّان حصار التسعينيات وما زالت تتجدد في تفاصيل المستقبل.
مختتماً بالتصريح: جديدي مسرحيّة "العم" المشاكسة، وهي صيغة عراقيّة.. معاصرة.. لـ "هاملت" شكسبير.. إنها شغلي الشاغل خلال الأيام المقبلة.