يعقوب يوسف جبر
الحضارة الأرقى تعني تطور وسائل التفاعل مع الحياة من قبل الإنسان حينما يرتقي بعقله من مرحلة التوحش إلى مرحلة التحضر، لقد ركز الباحثون في مجال الآثار على بحث خصوصيات الحضارات القديمة من أبرزها الحضارة السومريَّة التي تعد من أقدم الحضارات في تقديم منجزات واختراعات ساهمت في نقل العقل البشري من حضيض الهمجيَّة والتوحش إلى مرحلة التحضر الإنساني، فالإنسان البدائي كان يتعامل مع واقعه كما تتعامل الوحوش، لكن بفضل ابتكار وسائل التحضر قفز إلى فضاء إنسانيّ جديد بدا فيه رائعا بعد أن كان مخيفا قبيحا.
ضمن مؤلفه مدينة أوروك أبدع وتألق استاذ التاريخ الدكتور المساعد باسم محمد حبيب عبر صفحات كتابه المعنون في إلقاء الضوء على مدينة أوروك دراسات في حياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الالفين الرابع والثالث قبل الميلاد وهي إحدى ممالك الحضارة السومرية، ففي مقدمة الكتاب أشار الدكتور الباحث إلى أنّ أوروك تعد نقطة تحول فاصلة في تاريخ بلاد الرافدين ما بين مرحلة الحياة البشرية بأدواتها ووسائلها البدائية ومرحلة الحضارات الناضجة، كما اعتبر الباحث مدينة أوروك "الوركاء" من المدن الإنسانيّة التي لا تضاهيها مدينة أخرى في ذلك المقطع الزمني، فهي التي قدمت منجزات للبشرية أحدثت قفزة نوعية في العقل البشري. في المبحث الأول من الفصل الأول من الكتاب أشار الباحث إلى فنّ العمارة ونماذجه وأساليبه في حضارة أوروك وكيف بدأ وكيف تطور وازدهر.
كفن عمارة المساكن الذي يمثل انتقالة نوعيّة بالنسبة للحضارة السومريّة فبعد أن كان الإنسان البدائي يسكن الكهوف والمغارات، صمم السومريون المساكن لتكون موضع سكن واستقرار أفضل، كما ابدعوا في فنّ الفخار الذي تضمن طرز الفخار والأختام الاسطوانية.
في جانب آخر من المبحث الأول أشار الدكتور الباحث إلى اختراع الكتابة لأول مرة في التاريخ البشري وكيف ساهمت في إحداث تغيير كبير في طريقة الاتصال والتواصل ونقل الأفكار بين أفراد وجماعات المجتمع الواحد وبين مختلف المجتمعات مما ساهم في انتقال المجتمعات البشريّة من مرحلة مظلمة إلى مرحلة مشرقة، فاختراع الكتابة هو بداية لتبادل المعلومات وتدوينها رغم أنها في بداية اختراعها كانت عبارة عن أيقونات صورية على شكل رقم طينيّة تحمل علامات دالة على نشاط
إنساني.
ثم عرج الباحث حول النظريات التي حددت طرق انتشار حضارة أوروك إلى المناطق الأخرى، منها نظرية الاشعاع الحضاري التي، وضعها هنري فرانكفورت فبحسب وجهة نظر صاحب النظرية فإن هذه الحضارة انتشرت عبر الهجرة. أما النظرية الثانية للباحث جيل ستاين فهي نظرية الانتشار بواسطة التجارة عندما عثر جيل ستاين خلال تنقيباته في مناطق خارج نطاق حضارة أوروك منها آسيا الصغرى، على وسائل تعود لحضارة أوروك حيث كانت مملكة أوروك تصدر الفائض من الحبوب القصب والفخار إلى مناطق
أخرى.
ويتطرق الباحث المؤلف إلى نظرية التوسع السياسي المحدود التي يرى واضعوها كل من جيليرمو الجايز، وإيرل أن مملكة أوروك كانت تمتلك الاقتصاد والعقيدة العسكرية والفكر وهي عوامل قوة مكنتها من فرض سيطرتها السياسية والعسكرية على مناطق أخرى منها شمال سوريا وجنوب آسيا الصغرى، وهي ما تسمى بالمستعمرات الاوروكية.