قطط بلا ذيول.. الواقع الورديّ في فلسفة كانط
شاكر الغزي
ثلاثة أشخاص يلبسون النظّارات المفلترة، الأول نظّارته مفلترة باللون الأزرق، والثاني باللون الأحمر، والثالث بالأصفر. كلّ واحد من هؤلاء الثلاثة سيرى كلّ ما تقع عليه عيناه مصطبغاً بلون نظّارته المفلترة، ولا يمكن لأيٍّ منهم أن يقنع صاحبيه الآخَرَين بأنّ ما يراه هو ــ لا ما يريانه هما ــ هو الواقع الحقيقيّ للأشياء! وذلك لسببين: الأول، أن لا أحد سيكذِّب ما ترى عيناه ويصدّق ما يقوله الآخران، والثاني، أنّ الآخرَين غير متفقين على رأي واحد، فلماذا يصدّق أحدهما على حساب الآخر.
قد يقول البعض عليهم أن ينزعوا النظّارات المفلترة ويشاهدوا الأشياء كما هي، وعندها سيعرفون جميعاً أنهم كانوا على خطأ.
ولكن...
لا يبدو أنّ الأمر بهذه البساطة!
ثمّة رجل، منظّم للغاية في تفكيره، يدّعي أنّه لا يمكن نزع هذه النظّارات أبداً، وبالتالي فلا يمكن لأحد أن يرى الأشياء كما هي في حقيقتها إطلاقاً؛ ولذا علينا أن لا نستبدّ بنظرتنا الأحادية للأشياء ــ كما تبدو ــ ولا نقطع بصحّتها، كذلك، يجب علينا البحث عن طريقة منطقية لمقاربة الأشياء ــ كما هي ــ لا كما تبدو.
هذه النظَّارة المفلترة التي لا تنفصل عنَّا هي عقولنا البشرية! فنحن ندرك الأشياء والعالم من حولنا عبر ما يترشّح لنا من خلال مصفاة العقل، وبعبارة أخرى: إنَّ عقولنا تُدرك ظاهر الأشياء (الفينومينا)، لا حقيقة الأشياء في ذاتها (النومينا).
وهذا الرجل هو إيمانويل كانط (Immanuel Kant)، الذي فرض على حياته اليومية نظاماً صارماً، حدّ أنه لم يتزوج. يستيقظ في الخامسة فجراً؛ حتَّى لا يُضيِّع الوقت! يتناول فطوره ثمّ يُدخّن ويشرع في الكتابة، ثمّ يذهب ليحاضر في الجامعة. وفي تمام الرابعة والنصف بعد الظهر من كلِّ يوم، يخرج بمعطفه الرماديّ وعصاه للمشي والتنزّه؛ حتى إنّ الجيران يضبطون ساعاتهم على توقيت خروجه للتنزّه في الشارع الصغير الذي تكتنفه أشجار الزيزفون.
ولد إيمانويل كانط، عام 1724، في مدينة كونيغِسْبَرغ عاصمة مملكة بروسيا الألمانية، التي تُعرف اليوم باسم كالينِنْغراد وتتبع لدولة روسيا. غيَّر هجاءَ اسمه مــــــن صيغة (Emanuel) اللاتينية إلى (Immanuel) بعد أن تعلَّم اللغة العبرية، وكان والده، الذي يعمل سرَّاجاً (يصنع سُروج الخيل) يملي اسم العائلة بصيغة (Cant).
يترجم البعلبكيّ في قاموس المورد، اسمه بصيغة: عَمَّانوئيل كَنْت، ويكتبه موسى وهبة مترجم كتاب (نقد العقل المحض): عَمَّانوئيل كَنْط. ويكتبه عبد الرحمن بدوي: إمَانويل كَنْت، ويكتبه سعيد الغانمي: إمانويل كانط، ويكتبه آخرون: إيمانويل كانت. وأكثر ما يرد باسم: كانط، فقط.
أحبُّ كانط؛ لأنني أستذكر نفسي وأنا أقرأ عن نشأته الصارمة ذات طابع الالتزام الدينيّ والانضباط الأخلاقيّ، التي انعكست على فلسفته التي اتّسمت بالاتّزان والموضوعية. أو عن اعتقاده بأنَّ الأخلاق واجبٌ لا بُدَّ من أن يلتزم به الإنسان مهما كانت الظروف. أو عن اعتماده التفكير المنطقيّ منهجاً في الفهم، واتّصافه بالدقّة والانضباط الشديدين في أمور حياته. وأخيراً، عن وفائه لمبادئه التي نادى بها في المجالين النظري والعملي.
تقوم فلسفة كانط، التي تصحّ تسميتها: (الفلسفة النقدية) أو (المثالية المتعالية) على ثلاثة نقودات ــ والنقد هنا، لا يعني النقض أو التقويض، بل التمحيص والامتحان؛ لبيان الحدود والقدرات: (نقد العقل المحض، نقد العقل العملي، نقد ملَكة الحُكْم).
يرى شوبنهَور أنَّ الإنسان يبقى طفلاً في معرفته حتّى يفهم كتاب (نقد العقل المحض) لكانط. وهو أشهر أعمال كانط الفلسفية، نشره عام 1781، وهو على مشارف الستين من عمره. أرسل نسخةً منه إلى صديقه المقرَّب هِرز، المعروف بسعة الاطّلاع وعمق التأمُّل، فأعاده إليه بعد أن قرأ نصفه، قائلاً: أخشى على نفسي الجنونَ لو واصلت قراءة الكتاب!.
يترجم الكتاب إلى: نقد العقل الخالص أو المجرّد، ويقصد بالعقل المحض: القَبْليّات المعرفية المركوزة في العقل البشريّ قبل أن تنضاف إليه مُدخَلات الحسّ والتجربة. لا يقتصر الحسّ على الحواس الخمس المأنوسة فقط، بل يشمل الأحاسيس والمشاعر وكلّ المُدركات الحسِّية. وتشتمل التجربة على التجارب المختبرية والتجريب الحياتي والخبرات المُستمدَّة من النقل والتكرار.
نقد العقل المحض، إذن، يعني امتحان قدرات العقل المعرفية وفحصها فحصاً دقيقاً قبل استخدامه كأداة للحصول على المعرفة والبرهنة على الحقائق؛ وكان كانط يعجب كيف أنّ أحداً من الفلاسفة قبله، لم ينتبه إلى ضرورة إخضاع العقل البشريّ للنقد والتمحيص لتبيان حدود استخداماته المشروعة من غير المشروعة.
كتب كانط مقدّمتين لكتابه هذا ــ الذي وصفه بأنّه جافّ وغامض ــ لطبعته الأولى 1781، وطبعته الثانية 1787، شرح فيهما مشروعه الفلسفيّ الذي يدور حول موضوعَيْ: الميتافيزيقا التي حاول تمكينها من أن تكون علماً بدهيّاً كالمنطق والرياضيَّات، ونظرية المعرفة التي أحدث انقلاباً في تصوّرنا لمفهومها ومصادرها الأصيلة. تقوم فكرة الكتاب الأساسية على استقصاء محدودية العقل البشري. ويعرض مصادر المعرفة وشروط إمكانها.
اعتمد كانط على أفكار فلاسفة سبقوه، من عقلانيين أمثال ديكارت، ومن تجريبيين أمثال هيوم الذي قال عنه: (أَعترف صادقاً أنَّ ما استذكرته من تعليم داڤيد هيوم أحدث أول هزَّة أيقظتني من سباتي الدوغماطيقي)؛ فأعتقدَ بأنّ معرفتنا بالعالم الخارجيّ مثلما تستند إلى التجارب الحسية، فإنها تستند أيضاً إلى ما يُسمّيه: المعارف القبلية. وهو بهذا، يرفض الفلسفتين العقلية والتجريبية معاً. ويقول عن فلسفته (المثالية المتعالية) إنَّها وسَطٌ بين رؤية ديكارت لمعرفة العالم الخارجيّ، ورؤية هيوم للمعرفة البشرية التي تقوم على علاقة السبب والتأثير. ويُصرِّح بأنَّ العقل البشري يمكنه أن يُعدِّل العالم التجريبي؛ ليجعل المعرفة ــ حتى الميتافيزيقا ــ أمراً ممكناً.
ما دفع كانط إلى البحث في نظرية المعرفة، وتحديد نطاق قدرة العقل المجرّد، هي الميتافيزيقا، وتحديداً إيمانه بالله الذي نشأ عليه. توهَّم البعض أنَّ كانط شنَّ هجوماً عنيفاً على الميتافيزيقا في كتابه هذا! كيف هذا؛ وقد سبق لكانط أن كتب، وهو في سنّ الثانية والأربعين: (لحسن الحظّ أن أكون عاشقاً محبّاً للميتافيزيقا، ولكنّ عشيقتي لم تُطلعني إلّا على القليل من جمالها). وقال عن كتابه هذا: (أجرؤ على القول بأنّك لن تجد قضيةً واحدة من قضايا الميتافيزيقا، إلّا ألفيت حلّاً لها فيه، أو على الأقلّ وجدت مفتاحاً تستعين به على حلِّها)؛ فالصحيح أنّه دافع عنها بمنطقية رغبةً في إنقاذها من خلال الفحص والنقد لإمكانيات العقل حين لاحظ عدم يقينيّة الاستنتاج الميتافيزيقي، وتهافت حججه؛ فحدّد نطاق العقل المجرّد أولاً. وفصل الميتافيزيقا عنه ثانياً؛ لأنّها تقع أصلاً خارج حدوده وإمكانياته. وأثبتَ، ثالثاً، أنَّ الميتافيزيقا يُبرهن عليها بالإيمان، لا بالدليل العقليّ. أو كما يقول كانط نفسه: (كان عليَّ أن أَنسخَ العلم؛ كي أفسح المجال للإيمان).
استند كانط إلى رؤية طاليس بأنَّ الرياضيات عبارة عن مبادئ قَبْلِيَّة هي نتاج نشاط معرفيّ ذاتيّ. وإلى رؤية غاليليُّو في فهم قوانين الطبيعة، ذلك أنّه لم يُؤسِّس أبحاثه على ملاحظة الظواهر الطبيعية، بل على الأسئلة القَبليَّة التي وضعها هو نفسه. وهذا ما استدعى منه إعادة النظر في مفهوم المعرفة نفسه؛ ولذلك قسَّم المعرفة إلى: قَبْليَّة (مسبقة)، وبَعْديَّة (لاحقة).
يُسمّي كانط المعرفة المستقلة عن التجربة: البداهة، أو المعرفة القَبْلية (المسبقة)؛ لأنَّنا نعرفها مسبقاً ونجزم بصحّتها حتّى قبل أن نختبرها بالتجربة، وقبل أن يستقبل الذهن إحساساً واحداً من العالم الخارجيّ.
ويسمي المعرفة المستقاة من التجربة: الاستدلال، أو المعرفة البَعْدية (اللاحقة). ومعيار المعرفة القبلية أنَّها ضرورية وشاملة، ضرورية بمعنى أنّه يستحيل إثبات خطئها، ولا يمكن رفضها بدون دليل عكسي. وشاملة بمعنى أنها صحيحة في كلِّ الحالات، ولا تقبل أيَّة استثناءات. أمّا المعرفة البعدية فيُستدلّ عليها عبر الحواسّ، وهي ليست ضرورية ولا شاملة؛ إذ يمكن أن تكون خاطئة أو تقبل الاستثناء.
يقول كانط: (إنَّ التجربة ليست الميدان الوحيد الذي يحدّد فهمنا، لذلك فهي لا تقدّم لنا إطلاقاً حقائق عامة، هي تثير عقلنا المهتمّ بهذا النوع من المعرفة بدل أن تقنعه وترضيه). ويضرب مثلاً، بأنَّنا قد نعتقد بأنَّ الشمس قد تشرق غداً من الغرب، أو أنَّ النار قد لا تحرق الخشب في عالمٍ آخر، ولكننا يستحيل أن نعتقد أو نصدِّق أنَّ اثنين زائدا اثنين يمكن أن تكون نتيجتها عدداً غير الأربعة؛ لأنّ الرياضيات من المعارف الضرورية والمؤكّدة، ولا نستطيع أن نتصوّر ما ينقضها في تجربة المستقبل.
يقول أيضاً، خلافاً لكلّ الفلاسفة التجريبيين أمثال لوك وبركلي: (إنَّ عقل الإنسان ليس لوحاً جامداً من الشمع تُكتب عليه الأحاسيس، إنّه عضو نشيط ينسّق الإحساسات ويحوّل أنواع التجارب الكثيرة المشوّشة وغير المنظّمة إلى وحدةٍ من الفكر المنظّم المُرتَّب).
يتساءل كانط: ما الفرق بين عبارتي: (الثَّدْيِيَّات تُرضِع صغارها) و(القطط لها ذيول)؟ ويجيب أنَّ الأولى عبارة تحليليّة، أمَّا الثانية فتركيبية.
ولكن ماذا يعني ذلك؟
العبارة التحليلية هي التي تنطوي على معرفة قَبليّة، ولا تُفضي إلى معرفة بَعدية، بمعنى أنّنا نستطيع أن نعرف أنها صحيحة بطريقة بديهية ونحن نجلس على الأريكة في المنزل، من دون الحاجة إلى بحث ميدانيّ، وفحص كلِّ الثدييات للتأكّد من أنّها ترضع صغارها؛ لأنّ ذلك هو معنى كونها ثدييات؛ إذ يستحيل أن تكون ثدييّة ولا ترضع صغارها.
وهذه العبارة لا تقدّم لنا أيّة معرفةٍ جديدة، هي تقدّم لنا ــ فقط ــ ما أَدركناه يومَ وضعنا التعريف الجامع المانع لكلمة ثدييات. وهذا هو شأن ما نُسمّيه بالتصوّر في المنطق (التعريف).
أمّا العبارة التركيبية فهي التي تقدّم لنا معرفة جديدة، استناداً إلى التجربة والملاحظة؛ وبالتالي لا يمكننا أن نحكم بأنّ كلّ القطط لها ذيول دون أن نبحث وننظر. وفعلاً، فقد كانت نتيجة البحث أنَّ هناك بعض القطط فقدت ذيولها بسبب حادثٍ ما، ولكنّها بقيت قططاً على الرغم من ذلك، وهناك قطط المانكس التي ليس لها ذيول أصلاً. وبالتالي فعبارة (القطط لها ذيول) غير صحيحة.
بمعنى أنه ليس بديهياً أن نعرف أنَّ بعض القطط بلا ذيول، بل هي أشياء نتعلّمها بالتجربة، أو بملاحظة الواقع، هي ليست حقائق قَبْليَّة مُتضمَّنة في تعريف القطط. وهذا هو شأن ما نُسمّيه بالتصديق في المنطق (الدليل أو الحُجَّة).
يمكن ادّعاء أنّ العقل النظري عند كانط، عقلان: العقل المحض (المجرّد) والعقل التجريبي (الإضافي)، وحدود العقل المحض هي المعرفة القَبْلية المركوزة فيه (البديهيات الأولية)، وهي معرفة يمكن الوثوق بها، أمّا المعرفة البَعْدية أو اللاحقة، فهي التي يكتسبها العقل بمعونة الحسّ والتجربة، وهي معرفة مفلترة تُشبه أن ترتدي نظَّارةً بعدستين ورديتين، فتُلوِّن كلّ مظاهر تجربتك البصرية باللون الورديّ؛ حتّى تحسَب أنَّ الواقع ورديّ في حقيقته، وهو ليس كذلك.
بمعنى آخر، فإنَّ المعرفة اللاحقة هي معرفة ظاهرية لا حقيقية؛ لأنَّ الحسّ والتجربة يدركان ظواهر الأشياء، لا الأشياء في ذاتها.
على سبيل المثال، لو نظر شخص من النافذة، ورأى السماء الزرقاء؛ فهوى يرى السماء كما تبدو ظاهراً، لا أنَّ السماءَ لونها أزرق في الحقيقة. ثمَّة فلتر بصريّ جعلنا نراها زرقاء اللون، والحال أنَّهاء سوداء مظلمة.
ولكن ما الذي يترتَّب على هذا التفريق بحسب كانط؟.
إنّه أمر مهمّ للغاية، وهو أنّ المعرفة التي تكشف حقيقة العالم ممكنة، رغم أنها مستقلّة عن التجربة، وبعبارة أخرى: أنَّ المعرفة الميتافيزيقية ممكنة من دون حاجةٍ إلى التجربة كما يدّعي الفلاسفة التجريبيّون. وهذا النوع من المعرفة أسماه كانط (المعرفة التركيبية المسبقة)، وضرب له مثالاً بالمعادلة الرياضية (5+7=12). قال الفلاسفة إنّ هذه العبارة تحليلية؛ فبمجرد أن نعرف معاني الخمسة والسبعة والزائد، سنعرف أنّها تساوي (12)، غير أنَّ كانط يقول؛ صحيح أننا نعرف النتيجة من دون الحاجة إلى فحص أو ملاحظة، ولكنَّ العبارة تقدّم لنا معرفة جديدة ليست مُضمّنة في معاني الكلمات؛ فهي إذن قول تركيبي.
وهذا هو أعظم إنجازات كانط الفلسفية في مجال الميتافيزيقا، بمعنى أنّه استطاع أن يُثبت بالتفكير المنطقيّ ما يُكافئ ما ثَبَتَ بالتجربة، فمثلما أنّ الواقع يبدو وردياً بالنسبة لمن يرتدي نظّارةً بعدسات وردية، فالتفكير باجتهادٍ يُمكن أنْ يكشفَ لنا حقائقَ لم نكن نعرفها عن الواقع، وهذه الحقائق يجب أن تكون صحيحةً؛ لأنها تستند إلى قَبْليَّات بديهية.
إجمالاً، يمكن القول إنَّ فلسفة كانط غامضة ودقيقة، فمرّة يبدو لك وكأنَّه لم يقل شيئاً جديداً على الإطلاق، ومرّة تجزم أنّ فلسفته ــ كما يزعم هو نفسه ــ ثورة فلسفية! تشبه الثورة التي أحدثها كوبرنيكوس في علوم الفلك. ويؤكِّد ول ديورانت ذلك بقوله: (لقد أحدث كتابه ــ نقد العقل الخالص ــ انقلاباً مفزعاً في عالم الفلسفة لم يحدثه أيُّ كتاب آخر).
قرّر كانط ــ خلافاً لما هو سائد في فلسفة عصره ــ أنَّ الذات هي المركز الذي تدور حوله المعرفة، وإن بدا للفلاسفة أنَّ الواقع الخارجيّ هو واقع ثابت يدور حوله العقل، فاستبدل الواقعية التي تقول باستقلالية الواقع الخارجي عن الوعي الإنسانيّ، بالمثالية التي تقول بأنَّ الواقع تصوّرات ذهنية. بمعنى أنَّ العقل يتدخَّل في إعداد وتشكيل المعرفة والواقع. وبحسب كانط، فالواقع منظّم ومرتّب بواسطة الفكر.
ميّز كانط بين القدرة على استقبال المعلومات والمعطيات الحسّية من الواقع الخارجي، وبين الفهم الذي هو الاشتغال بالمفاهيم ــ كما قلنا ــ وتتمّ هذه العملية بواسطة المقولات (القوالب أو الأُطُر القَبْليّة)، فيتمّ تنسيق المعلومات الحسية الواردة من خلال قالبي الزمان والمكان؛ لأنَّ ذواتنا تدرك الأشياء في المكان، وتدرك حالاتها النفسية في الزمان. أمّا أُطُر الفهم فهي القوالب التي تمكِّن العقل البشريّ من إدراك الأشياء، وتسمّى: المفاهيم الخالصة، وهي تستمدّ محتواها ممّا تزوّدنا به الحواس عن العالم الخارجيّ.
وتبعاً لذلك؛ فالعقل البشريّ عاجز عن التحرّر من التجربة الحسّية.
وإذ إنَّ الميتافيزيقا (العقل التأمُّليّ) متعالية على التجربة؛ فهي تقع خارج حدود العقل النظريّ، وإذا خرج العقل عن حدوده تخبَّط في الوهم.
المصادر:
1. قصة الفلسفة، ول ديورانت: ص315 - 348.
2. مختصر تاريخ الفلسفة، نايجل واربرتون،
ص157 - 171.
3. نقد العقل المحض، إيمانويل كانط، المقدّمتان الأولى والثانية.