في العام 1996، دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى اعتبار (16 نوفمبر/تشرين الثاني) من كل عام اليوم الدولي للتسامح Interna)tional Day for Tolerance).والذي لا تعرفه الأمم المتحدة ولا الغرب، إن الدين الإسلامي كان قد سبقها وسبق الحضارة المعاصرة بألف وخمسمئة عام في دعوته إلى التخلي عن رغبتنا في إيذاء الآخرين، لأي سبب حدث في الماضي، وأن نفتح أعيننا لرؤية مزايا الناس بدلاً من أن نحكم عليهم ونحاكمهم أو ندين أحداً منهم.
وكان النبي الكريم(ص) قد ضرب أروع مثل وأنبل موقف في التسامح يوم فتح مكة وقال للذين حاربوه: من دخل بيته فهو آمن ومن دخل بيت أبي سفيان فهو آمن. مع أن ابا سفيان كان من ألدّ أعدائه.
والتسامح الذي صار الآن مبدأ إنسانياً تتباهى به الأمم المتحدة، كان في الإسلام قيمة نبيلة جسدها كبار المسلمين سلوكاً وقولاً جميلاً. كقول الإمام علي: (إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكراً للقدرة عليه).وقول الخليفة عمر بن الخطاب:(إذا سمعت الكلمة تؤذيك، فطأطئ لها حتى تتخطاك).
وقبل أكثر من ألف عام، أشاع بلغاء الإسلام حكماً وأقوالاً جميلة عن التسامح، لك منها ثلاثة:
• إذا بلغك عن أخيك شيء تكرهه، فالتمس له العذر جهدك، فإن لم تجد له عذراً، فقل : لعل له عذراً لا أعلمه.
• لذة التسامح أطيب من لذة التشفي، فالأولى يلحقها حمد العاقبة والثانية يلحقها الندم.
• من عاشر الناس بالمسامحة، دام استمتاعه بهم.
والتسامح، الذي دعا إليه الأنبياء والمصلحون، لا يعني فقط العفو عند المقدرة، وعدم ردّ الإساءة بالإساءة، والترفّع عن الصغائر، بل إنه يعمل على السمو بالنفس البشريّة إلى مرتبة أخلاقيّة عالية، وله أهمية كبرى في تحقيق وحدة وتضامن وتماسك المجتمعات، واحترام معتقدات وقيم الآخرين، والقضاء على الخلافات والصراعات بين الأفراد والجماعات. ولهذا فإنه يعدّ ركيزة أساسيّة لحقوق الإنسان، والديمقراطية والعدل، والحريات الإنسانيّة.
والمفارقة، أننا نحن العرب المسلمين صرنا الآن من أكثر الشعوب ابتعاداً عن التسامح، بل إن معظمنا يعد التسامح ضعفاً أو جبناً، مع أن نبينا الكريم والخلفاء الراشدين وحكماء الإسلام اعتبروا التسامح قوة وحكمة وأشاعوه قولاً وسلوكاً، ومنهم عرفنا أن التسامح هو للروح كما الصابون للجسد.
يغسلها من أوساخها أيضاً. وأن من لا يقدم عليه. يتعفن من الداخل. فهل سينفع المصابين بعقدة (التسامح ضعف وجبن) ما قاله الإسلام عن التسامح قبل أن يتعفنوا تماماً؟.