مايكل كريج مارتن: كيف أصبحتُ فناناً؟

ثقافة 2024/12/01
...

 كارولين رو*

 ترجمة: مي اسماعيل

يتحدث الفنان الايرلندي المعاصر "مايكل كريج مارتن"، وهو من مُريدي الفن المفاهيمي "Conceptual Pop Art" "والذي يُسمى أحيانًا بالمذهب التصوري" عن تجربته الفنية، وكيف وجد صوته في عقده الخامس.
يتحدث مارتن عن طفولته قائلا: "نشأتُ طفلا كاثوليكيا في عالمٍ من الصور والفنون.. راقبتُ نوافذ الكنائس ذات الزجاج الملون المزخرف، وملابس رجال الدين الأنيقة، والتحف بجميع أنواعها؛ وهذا كان العالم الذي سحرني منذ عمرٍ مُبكر. تحول إهتمامي الى الفن الحديث، حينما بلغتُ الثانية عشرة من عمري تقريبا؛ تصاميم المعماريين "لي كوربوزيه" و"ميس فان دي رو"، وكتب عن مدرسة "الباوهاوس" الألمانية للتصميم. ورغم أنني ولدتُ في دبلن؛ فقد نشأتُ في العاصمة الاميركية منذ خمسينات القرن الماضي.. كان ذلك العصر الذهبي للسيارة الأميركية، لامعة ومبهرة. تغيرت السيارات كل عام، وما زال بوسعي تمييز واستذكار أنواعها وطُرُزها المختلفة. وإذا كان العالم الحديث قد نشأ في أوروبا خلال العشرينيات والثلاثينيات؛ فقد أصبح واقعا في أميركا ما بعد الحرب".

تجارب التكوين والتركيب
"العاصمة الأميركية مدينة إقليمية غريبة؛ فالمباني متفرقة وقليلة الارتفاع، وهناك الكثير من المتنزهات.. إنها مدينة ذات توجهٍ واحد: الحكومة. كان والداي متعلمين، ولكن لم يكن ثمة فن في حياتنا، ما عدا نسخة من احدى لوحات بيكاسو معلقة في غرفة المعيشة، عن طفل يأكلُ من وعاء.. وكنتُ أجلس أمامها لساعاتٍ طوال. في المدرسة الثانوية بدأتُ أصنعُ الأشياء، وازداد اهتمامي بالرسم؛ لكنني كُنتُ صانع تكويناتٍ أكثر من كوني رساما.. كنتُ أجمع الاشياء وأُركّبُها.
أخذنا عمل والدي "وأنا في الرابعة عشرة" إلى العاصمة الكولومبية بوغوتا لمدة سنة. هناك تعرفت الأسرة إلى الفنان الإسباني "خوان أنطونيو رودا"، الذي كان منفيا من نظام فرانكو. بدأتُ بتلقي دروس الرسم على يده في منزله؛ مع أربع أو خمس نسوة في منتصف العمر..! علمني "رودا" أنه يمكن للمرء أن يحيا كفنان؛ ولا حاجة أن يكون مثل رامبرنت أو بيكاسو.. ويمكن أن تكون لك عائلة وتعيش حياةً متواضعة، لكنها ليست سيئة. كانت تلك النصيحة أكثر إغراءً لي من عالم والدي "الذي يعمل مُحللا  اقتصاديا"، كما أنني كنتُ سيئا في دراسة الرياضيات على أي حال! أعتقدُ أن رغبتي أن أكون فنانا ولدت في تلك المرحلة، وقد ساندني والداي لأنهما وثقا بتجربة "رودا" أيضا. بعدها اكتشفتُ الانطباعية، واكتشفت أشخاصا مثل "مارسيل دوشامب" "فنان فرنسي ارتبطت اعماله بالسريالية. المترجمة". كان ذلك مهما بالنسبة لي؛ إذ أعجبتني الافكار الراديكالية والمتمردة والأشياء التي كانت خارجة عن المألوف. وأعتقدُ أنني كنتُ من مُحبي الجمال، لا يشغلني إلا النظر إلى الأشياء".
"درستُ في جامعة فوردهام بنيويورك؛ ربما لأنني أردتُ الانخراط في أعمالٍ جامحة، ولم يكن ثمة مكان أفضل من نيويورك نهاية عقد الخمسينات وبداية عقد الستينات لمثل تلك الأحلام.. أصبح بعض زملائي أصدقاء لي حتى اليوم، يحضرون افتتاح معارضي.  أحببت الناس لكن الامور لم تجرِ بشكلٍ جيد بالنسبة لي؛ فلم أستطع فهم ما يدور وقررتُ أن عليَّ المغادرة.. صوبتُ أنظاري نحو جامعة "ييل"، وهناك قابلتني سيدة كبيرة في السن وحاورتني. في نهاية المقابلة قالت أنها تفهم سبب رغبتي بمغادرة فوردهام، لكنها لا تملك سببا يجعلهم يُرحبون بي في "ييل"! هنا فقط أدركتُ أن كل ما أردتُ هو أن أكون فناناً، فعثرتُ على حجرة مهجورة حولتها إلى استوديو وبدأتُ أُنتج لوحات زيتية صغيرة. وحينما قررتُ أنني بحاجة الى أفضل مدرسة للفن عُدتُ إلى "ييل" طلبا للنصيحة؛ الى السيدة التي كانت صريحة معي إلى حدِ القسوة.. هناك وجهوني إلى مدرسة الفن لديهم وأحسستُ أنني في حلم.."

معجزة الصور ثنائية الأبعاد
"ذلك الصيف التحقتُ بأكاديمية "غراند شوميير" و"التي تأسست عام  1904 في باريس، مخصصة للرسم والنحت، دون التزام القواعد الأكاديمية الصارمة؛ وبالتالي أَنتجَت فنا لا يتّبع القيود الأكاديمية. المترجمة"، وقضيتُ مئات الساعات في الرسم، مجددا مع مجموعة من النساء في منتصف العمر. حينما ذهبتُ الى "ييل" وجدتُ أنها مدرسة فنون للدراسات العليا؛ ووجدتُ نفسي "وخمسة من طلاب المراحل الاولية" منتظمين مع طلبة أمضوا سنواتٍ في المدرسة. حاولتُ ألّا أضع نفسي في مواقف محرجة وأن أتقبل أي تحدٍ يُوجه لي.. خلال سنتي الأولى قابلتُ فنانين حقق بعضهم شهرة جيدة؛ من أمثال النحات الأميركي "ريتشارد سيرا" والرسام الاميركي "برايس ماردن" و"الذي اتجه لرسم التجريد" والفنان والمصوّر الأميركي "تشاك كلوز". وكان أول من حقق منهم إنتشارا عالميا هو "سيرا". كان لما تعلمتهُ هناك تأثيرٌ كبير على أعمالي؛ فالطريقة التي أرسمُ بها واستخدامي للألوان واحساسي بالمواد كلها من هناك.. انني أُدين لمدرسة "ييل" الفنية بحياتي..".
"عام 1995 بدأتُ أعمل بالأسلوب الذي بات معروفا عني الآن، الألوان النابضة والتكوينات، حينما كُنت في الخامسة والخمسين. ومادة فنوني واضحة: الأشياء المفيدة التي صنعها الإنسان، لكن ذلك ليس موضوع أعمالي.. إنه يدور حول استكشاف معجزة الصور ثنائية الأبعاد.. أنا أتلاعب بالسرد من خلال إنكار السرد، وأتلاعب بالألوان عبر إنكارها ثم التأكيد عليها بطرق مختلفة.. إنها ليست لعبة، لكنهُ تلاعُب.. وحينما ينتهي التلاعب يصبح العمل كيانا قائما بذاته، وهذه هي الفكرة، وبعدها تنبثق منها أفكار أخرى.. يعتقدُ الناس أن الفكرة الأساسية هي الأكثر أهمية؛ لكنها واقعيا طريقة للنظر إلى الأمور.. يجد الناس أصواتهم في مراحل مختلفة من أعمارهم، وقد وجدتُ صوتي في الخمسين..".

*موقع {آرت بازل}