ترجمة: نجاح الجبيلي
ألفارو بومبو، الفائز الجديد بجائزة ثيربانتس، الذي يبلغ من العمر 85 عاماً، لم تعد مؤتمراته الصحفيّة تتحول كما كانت سابقاً فوراً إلى عروض مازحة ممتعة، حيث لا يمكن التمييز بين الشخص والشخصية. لكنه لم يفقد شيئاً من حسِّه الفكاهي. ويواصل إطلاق تعليقاته الساخرة.
ويثير صاحب روايات مثل "مترو البلاتين المشع" و"السماء المستوية" الصحفيين في قاعة الأكاديميّة الملكيّة الإسبانيّة، إذ يشغل منذ 20 عاماً كرسياً فيها، حين يُسأل عن فكرته الفلسفيّة حول نقص "المضمون"، وهو مفهوم ظهر مبكراً في رواياته. يقول مبتسماً: "إنّه مفهوم موجود بالفعل لدى أرسطو. لكن في إسبانيا، يتم استخدام نقص المضمون أيضاً في وصف الحساء. حساء الحمص يُقال إنّه بلا مضمون إذا لم يكن فيه شحم أبيض جيد، ذلك الشحم الأبيض الذي نفتقده"، يضيف ساخراً.
بالطبع، بومبو "المولود في سانتاندير عام 1939"، الذي وصل على كرسي متحرك، ممتن لتلقي الجائزة الكبرى للأدب الإسباني التي تمنحها وزارة الثقافة التي تُعدّ من الجوائز القليلة التي كانت تنقصه، فقد فاز بجوائز بلانيتا، نادال، الجائزة الوطنية للسرد، الجائزة الوطنية للنقد.
يقول: ما أودُّ قوله هو أنني جدّ سعيد لأنني حصلت على هذه الجائزة الجميلة وأتمنى أن أجيب بشكل معقول عن الأسئلة. جائزة كهذه تجعل المرء يشعر بشيء من الفخر لأن ثيربانتس لم يحصل على أي جائزة. الشيء المضحك أنه لم يحصل على أي جائزة. لقد تمت سرقة الجزء الثاني من "دون كيخوته" منه. وسُجن في الجزائر. كان مجرد بائس. الدون ميغيل دي ثيربانتس دي سافيدرا كان عبقرياً بائساً. كانت لديه الموهبة فقط. ونوع من حسِّ الدعابة. لأنّه عاش حياة شاقة. وها أنا هنا مع جائزة هذا الإسباني الرائع والذكي في عصره والشجاع. أنا ممتنٌ تماماً.
ويقول إنّه قد بدأ بالفعل في تحضير خطاب لحفل تسليم جائزة ثيربانتس الرسمي في قاعة الاحتفالات بجامعة ألكالا. وهو خطاب يدور حول إحدى الشخصيات الشهيرة لثيربانتس. ويوضح: فكرتُ في الكتابة عن شخصية "الليسانسيادو فيدرييرا". لديّ فكرة أولية لشيء يمكن أن يُسمى اختلافات أو تنويعات حول الليسانسيادو فيدرييرا. الليسانسيادو فيدرييرا* هي إحدى الروايات النموذجية لثيربانتس. وكان يقول إنّه لا توجد أي من هذه الروايات إلا ويمكن استخلاص درس أخلاقي أو روحي منها. و"الليسانسيادو فيدرييرا" هي بطريقة ما فينومينولوجيا الهشاشة، لكن ليس هشاشة الزجاج، بل هشاشة الإنسان من لحم ودم، أكثر من كونها عن الجنون، الذي يُفهم أحياناً أن ثيربانتس أراد تقديم نسخة أخرى عن فكرة أن المجانين يقولون الحقائق. لكن لا أعتقد أن تلك هي النية الأساسيّة. أعتقد أنّه أراد تقديم فينومينولوجيا عن الهشاشة".
كلمة "فينومينولوجيا" تُعيدنا إلى دراساته في الفلسفة. يقول بومبو: "الفلسفة التي كنت معجباً بها، كما أتذكر، هي من ناحية الفلسفة الكلاسيكية لأفلاطون وأرسطو، ولكن أيضاً فلسفة سارتر. سارتر هو فيلسوف مهم في كتبي، وفي رواياتي. سارتر نفسه كان يقول إنّه يريد أن يكون جزءاً من ستاندال وجزءاً من سبينوزا. كان سارتر وحده كافياً. والفلسفة التي استخدمها أكثر هي فلسفة سارتر. أنا متابع جيد للفلسفة. ولكن ما أفعله ليس التفلسف، بل أخذ شيء من الفلسفة، شيء من لونها. لون البلاغة الفلسفيّة، ولهذا السبب يمتلك الفلاسفة كامل الحق في كسر رأسي. كيف يمكن أن يكون اللون؟، سيكون الجوهر. كلا، إنه اللون. البلاغة الفلسفيّة موجودة في أفلاطون، ولدى أورتيغا وخافيير زوبيري في بلدنا. كان أورتيغا يقول إنَّ الوضوح هو أدب الفيلسوف. أنا ما زلت متابعاً للفلسفة واللاهوت بشغف".
أما عن أدبه، فيقول إنَّ معالجته النفسية للشخصيات كانت دائماً مفتاحاً أساسياً في أعماله، ولكن مع مرور السنوات أصبح للخيال أكثر أهمية في رواياته. يقول: "لدي انطباع بأنني لم آخذ لا الخيال ولا التاريخ على محمل الجد. الآن أكتب رواية تاريخية عن حروب إفريقيا، الجنرال سيلفستر ومعركة أنوال. ومن ناحية ما، فإن الرواية من الناحية التاريخيّة غير مكتملة بشكل جيد وكذلك الخيال. وحين قال أورتيغا إنّ الإنسان ليس لديه طبيعة بل لديه تاريخ، قال شيئاً جدّ مهم، وهو أن كل واحد منا هو نتاج لظرف تاريخي. وتاريخ إسبانيا يثقل كاهلي ويبدو لي أكثر إثارة للاهتمام".
قالت لجنة التحكيم إنّ السخرية هي السمة المميزة لرواياته، ويعترف بومبو: "السخرية أداة أدبيَّة، وهي سخرية ثيربانتس، يجب ألا تأخذ الأمور بجدية زائدة". ويضيف: "إنّها شعور ثانوي، وليستْ شعوراً أوليّاً مثل الغضب أو الحب أو الكراهية، بل هي شعور شخص ناضج. حين تكون شاباً، لا يتعلق الأمر بعدم أخذ الأمور بجدية، بل قد تأخذها فعلاً بجدية لأنّك تمتلك القوة والاستنارة. أما أنا، فقد وصلت إلى أعمق مراحل الشيخوخة"، يقول مبتسماً. ويوضح: "الكتابة معقدة، لا تصل أبداً إلى الرضا الكامل. وفكرة عدم أخذ الأمور بجدية زائدة، التي نقولها في إسبانيا، جدّ مهمة لأنها تؤدي إلى منتج تأملي. لكن السخرية قد تكون قاتلة بالنسبة للشخص الساخر. لأنّها تعني أيضاً عدم أخذ أي شيء بجدية، وهذا أمر قاتل. يجب أن تأخذ الأمور بجدية، بجدية حقيقية. السخرية سلاح ذو حدين. في فلسفة سقراط، كانت السخرية موضوعاً كبيراً. قوله المشهور "أنا لا أعرف شيئاً" الذي استخدمه لتفكيك حجج السفسطائيين، وفقاً لرواية أفلاطون، هو تعريف جيد للسخرية.
وعن قيمة الجائزة البالغة 125,000 يورو، يقول بومبو: "لن أقول إنني سأدّخرها، لكنني سأنفقها بحكمة. لأن وضعي المالي سيئ جداً، المال لا يكفي. الجائزة جاءتْ في وقت مناسب جداً. المال يذهب مع البطاقات ومع شراء السمك، يذهب في السوق. المال يضيع في السوق، ليس على الرذائل أو السهرات. بالنسبة لأشخاص متواضعين مثلي، المال لا يدوم، المال يسخر مني. لم يكن لدي الكثير، ولم يكن لدي القليل، عشت بشكل لائق. هذه الجائزة جيدة جداً. ربما أقسمها إلى ثلاثة حسابات.. كانت أمي تقول إنّني سأكون مبذراً عندما أكبر. وهذا ليس صحيحاً. أنا لست مبذراً، المشكلة هي أن المال لا يكفي، لا يكفي لنهاية الشهر. أهلي وأجدادي لا يفهمون العالم الحديث. المال لا يدوم. أتمنى أن يدوم لي هذا المبلغ، لأنّه آخر شيء سأربحه بشكل مستقر. هل أعجبتكم إجابتي؟"، يقول ضاحكاً..
صحيفة "لابانغوارديا"
الصادرة في برشلونة