الوحدة البرمجيَّة للكائن البشري وفاعليَّة الجهاز الحركي

ثقافة 2024/12/04
...

ميثم الخزرجي




ما طبيعة العلاقة بين العقل بوصفه المشغل الباعث للتعليمة (INSTRUCTION) وبين الجسد الذي يمتثل لهذه التعليمة وينفذ إراداتها بحسب تقبل الجسد لنوعية هذه الأوامر ومدى استيعابه لها؟ وهل ثمة تبادل أدوار في تعيين أسبقية هذه العلاقة  ليصبح العقل دوره ثانوياً مانحاً قرارات بعد أن تبرز علامات يظهرها الجسد؟

 ما هو المسوّغ  المعرفي والنظرة الجدلية لهذه الاتباعية؟ وهل هنالك براهين جديدة تضيء جوهر هذا الاقتران تتجلى في هذا الأوان التكنولوجي ناجمة عن دخول عوالم تقنية مختلفة أثرت تأثيراً مغايراً في اعتبارية الصلة بينهما؟ ما هي سمة الترابط بين العقل والجسد حال تعرض الأخير للأذى أو الوجع؟ وما هي طبيعة النفس البشرية إزاء هذه الكيفية؟ هل هي حلقة وصل أم أنها تتخذ منحى عرفانياً أو وجدانياً؟ وإذا كانت كذلك من المسؤول عن هذا الاتخاذ؟ كيف ننظر لحقيقة الخطأ الذي يرتكبه الإنسان؟ وما هو المحرّض حيال ذلك؟ لو افترضنا أنَّ العقل هو المحاسب، كيف نتعاطى مع العقل في حال اقترافه المخالف للسائد؟ وما هو الموجّه الذي يدير شأن العقل ويصحح مساره؟ لو أجزنا القول إنَّ التجربة هي الفعل الناجع لتصحيح المسار كما يدعي الفلاسفة التجريبيون، هل يتوجب على الكائن البشري أن يمارس التجارب الحياتية جميعها ليحصِّن نفسه من الهفوات  في حال لو أجزنا أنه امتلك الزمن الكافي للمعالجة؟ طيب، ما هو دور العقل بوصفه مدبر الشأن الجدلي للإنسان والمدير لماهيته؟ هل تعدّ جملة “تغييب دور العقل” إزاء المغريات الجنسية والمادية مثل حالات القتل أو الاغتصاب مسوغاً جوهرياً على تبديد فعل التجربة كونها لا تمنح سبباً كافياً لهذه الجرائر، والدليل على ذلك،  لماذا هذا القبح المستشري الذي يزاوله الكائن البشري على سطح المعمورة، وعلى نحو متصل، هل أنَّ حياة الإنسان إذا قيست بالوقت الذي يعيشه كفيلة بأن يخوض التجارب جميعها من خير أو شر ليعطي برهاناً قوياً على جواز الطريق الذي يختاره أو الفعل الذي يقوم به؟ من الذي يحرك الجسد ويجعله منفذاً لهاتيك الأعمال؟ هل هو العقل أم ثمة واعز نفسي أو محفز جواني يقوده إلى الالتزام بالصواب والتنحي عن مخالفته؟ هل العاطفة فتيلها العقل أو أنَّ لها أبعاداً نسقية مضمرة باستطاعتها التكفل بسلوك الإنسان وطريقة تعاطيه مع الحياة؟ ماذا لو أزلنا من هاجسنا الحساب اللاهوتي والغيبي والقوانين الوضعية المتمثلة بالنظام الداخلي للدولة وأصبح الكائن البشري مقاداً بواسطة عقله، كيف يكون المآل يا ترى؟ 

بعيداً عن الحس الديكارتي حيال ماهية العقل والجسد ونظرية التمايز والثنائية التي أكدت أنَّ العلاقة التي بينهما هي علاقة اعتبارية أي أنَّ لكل منهما عالمه وجوهره الذي له سماته العامة وغرضه الخاص على الرغم من أنَّ هناك تعالقاً عن طريق بعض من الخلايا المتواجدة في الدماغ وهذا الفعل الفيزيائي جاء مترابطاً من حيث بنية الكائن البشري والإجراء الحركي الذي يقوم به. إنَّ الفلاسفة الإغريق هم أول من عيّنوا جذر هذه الفكرة وتحديداً أفلاطون وقد توطد نظامها في ما بعد عن طريق أصحاب المدرسة العقلانية، بينما نجد أنَّ النظرية الواحدية التي اعتبرت العقل والجسد حقيقة أو جوهراً واحداً لكل منهما مركزيته المتحدة في تكوين منظومة الإنسان سواء كانت على مستوى السياق أو البنية الداخلية التي تشكل قابليته على مزاولة حياته الطبيعية، وقد رجّح بعض الفلاسفة أنَّ وحدة النظام المعرفي والحركي تنبثق من العقل بينما يبرهن الآخرون أنَّ لكل منهما نبعاً ثالثاً له خصائصه التي يعرف عن طريقها، ولعل الفرق واضح بين الفلاسفة الماديين والمثاليين في تعيين العقل عن الجسد أو العكس، وقد يبدو ذلك واضحاً في متبنياتهم الجدلية التي تمثل دستوراً فكرياً بالنسبة لهم.

واقعاً أجد أنَّ العقل هو الجوهر الحقيقي في هذا المنظور، وقد نوّهت المراكز البحثية العلمية والطبية حيال هذا الإجراء وهنا يبدو ذلك واضحاً أنَّ الخلايا العصبية التي تمتلك الإيعاز المنفذ لإدارة شأن الأعضاء مصدرها الدماغ الذي يتكون من مجموعة من الخلايا المسؤولة عن الناحية الحركية مكونة تعالقاً فسيولوجياً له مركزيته، فلو استقرأنا هذا الجانب من وجهة فكرية بحتة كأن يكون طريقة الجلوس أو الكيفية في الأكل أو الشرب أو دخول الحمام أو أي فعل يومي يقوم به الكائن البشري سيكون دالته العقل، وهنا من يسأل، كيف يكون للعقل دور إزاء سرعة إتقان الفعل الحركي؟ ما معناه ما هي ملامح العقل حيال أي رد فعل واضح يعنى بالجسم مثل تعرّض الإنسان لصدمة في قدمه أو ارتطامه بعقبة ما، لعل ردة الفعل اللحظوية منسجمة مع العادة أو التجربة، قد تكون هنالك بعض من الصور المسلّم بها والمدخرة في العقل ليكون الفعل متوائما أو متفقاً مع كنه العقل في كيفية اتخاذ القرار، لكني أنظر إلى القضايا الكبرى التي تعنى بمصير الكائن البشري، ومما لا شك منه أن مثل هذه القضايا هي التي تعيّن القدرة الحركية التي تأخذ إيعازها من الدماغ لذا تكون العملية أشبه بالتقانات التي تدار عن طريق الوحدات البرمجية المنظّمة للوحدات المادية مثل الأجهزة اللوحية الحديثة.

حقيقة الأمر أنَّ كل جزء من أجزاء جسم الإنسان يقوم بعمل معين وهو مرتبط برباط عصبي موجه عن طريق وحدة عصبية لتكون المعالجة في كيفية توزيع المهام على الأعضاء، وبودي أن أشير إلى نقطة جوهرية مهمة تبين القوة المسؤولة عن سلوك وطريقة تفكير الكائن البشري وحركاته الجسمانية، أن الطبيعة المعنية للإنسان هي أشبه ما تكون طبيعة ميكانيكية كونه أقرب إلى الأنظمة المعلوماتية الفخمة والتي عن طريقها تؤدي وظائف معينة مع التحفظ على السمات الإنسانية والأخلاقية التي تضيء هويته بوصفه جنساً بشرياً، ولعلي أمام سؤال غاية في الأهمية، هل أن الإنسان في هذا الأوان يحاول أن يبتكر الآلة بمقاسات بشرية من باب المنافسة العلمية أم من باب العون؟